أعلن وزير الداخلية نتائج الاستفتاء الذي تم إجراءه بتاريخ الفاتح من يوليوز، من أجل اعتماد مشروع الدستور الذي طرحه الملك على الشعب، بتاريخ السابع عشر من يوليو لهذه السنة....لم تكن مفاجئة، إذ أن المؤشرات كانت كلها تدل على أن الدستور معتمد سلفا، بأصوات المقاطعين أو بدونهم، بأصوات الممانعين أو بدونهم...و لربما حتى بأصوات الذين صوتوا بنعم أو بدونهم...القرار كان جاهزا،ما كان بين أيدي المواطن للتداول حوله لم يكن سوى الدستور الذي سيحكم علاقاته بالدولة و المجتمع لما شاء الله من سنين مقبلة... لم تكن الحملة الخاصة بالاستفتاء سليمة،و شهدت مظاهر إكراه و ترهيب عديدة،كان ضحاياها الذين ينادون بالمقاطعة ،على اختلاف أحجامهم و ألوانهم السياسية و العقائدية،و كان للآسف من ضحاياها ،حتى أولائك الذين طالبوا المواطنين بالتصويت ضد الدستور،في ضرب بليد لما كان سيشكل الدعامة السياسية للمشروعية القانونية لهذا الاستفتاء، و بالتالي للدستور بمجمله، إذ أن إتاحة الفرصة للتعبئة للتصويت ضد الدستور، كان سيمكن من نتيجة تشكل فيها "لا" ملح الطعام السياسي....
تحكمت الحسابات السياسية في بلورة شكل النتائج، إذ أن المشرفين عليها ، و هم نفسهم المشرفون على الحملة الانتخابية التي واكبت الدعوة للاستفتاء على ذات المشروع،يعتقدون أن الشعب منقسم لجزء ملتف حول الملك، و بالتالي المؤسسات التي تستمد مشروعيتها من القرب منه،الحكومة و الأحزاب الموالية، و غيرها من التفرعات المؤسساتية و المجتمعية، و جزء آخر منتفض ضد الملك و ضد هذه المؤسسات، و هو ما جعل الكثير من لحظات الحملة، يتماهى فيها الاستفتاء حول الدستور ، بالاستفتاء حول المؤسسة الملكية و شخص الملك....مع العلم أن لا قوى سياسية، مناهضة لمشروع الدستور، ربطت بين موقفها هذا و شخص الملك أو المؤسسة الملكية....
هذه الحسابات هي التي فككت بنية الكتلة الناخبة العامة،و المحددة في ما يقارب العشرين مليون صوت،بما يعني المواطنين الذين يحق لهم التصويت،سواء المسجلين في اللوائح الانتخابية أو غير المسجلين،و اقتطعت لنفسها نصف هذه الكثلة،كمشاركة في العملية السياسية،إذ أن السبعين بالمائة من المشاركين و المسجلين ،وهم بعدد ثلاثة عشر مليون ناخب، توازي بالضبط نصف المسموح لهم بالتصويت، سواء مسجلين أم غير مسجلين....و هي بذلك تكرس منهجيتها لتقسيم الشعب ، بكامله حول الدستور و الملك و لربما الوطن برمته...
في ذات الحسابات، يظهر تطرف عدمي للدولة، بإفرادها تلك النسبة المخجلة و المضحكة للذين لم يؤيدوا مشروع الدستور، بالتصويت السلبي، و الذي يشكلون بالنسبة لها أقل من اثنان بالمائة، و كأنها تريد أن تفهم الملتفون حول منهجيتها السياسية، أنه لا خيار بين الجنة و النار، فإما معي و مع الدستور و الملك وشكل ممارستي للشأن السياسي، أو ضدها في الجهة الأخرى، المقاطعة تسجيلا أو تصويتا....
كل القراءات السالفة الذكر،مبنية على فرضية التدخل القسري للدولة ، في صنع نتائج الاستفتاء،و هي فرضية تُساءل في حد ذاتها، رغم كل المبررات و المسوغات التي تزكيها، ما وقع في الحملة الانتخابية، و ما تواتر عن تدخلات رجال السلطة، في مناطق عديدة،لترهيب السكان و إجبارهم على الذهاب للتصويت...دون أن تكلف الدولة عناء تكذيب ذات الأخبار، و لا فتح تحقيق حولها...دون أن نغفل أن طريقة التصويت المستخف بها، تفتح الطريق لكل أشكال التلاعب و التزوير،إذ لا وجود لمراقبين و لا إجراءات تقنية تقنن شكل التصويت....
دون تطرف معرفي، يبقى احتمال صدقية النتائج وارد،مما يستدعي قراءة أخرى،التي لا تعطي المشروعية للنتائج بالضرورة، لما يفسدها من ضعف المستوى التعليمي الناتج عن التجهيل و الأمية المتفشيتين في المجتمع،و الذي لا يعطي للتصويت الإيجابي معنى التملك و الفهم للمشروع،بقدر ما هو تصويت كمي، ناتج عن التجييش و الترهيب الفكري ،و مما يطرح إشكالا أمام القوى الحية في البلاد، للنهوض بمستوى الوعي السياسي لدى أبناء هذا الوطن،و الذي يمر أساسا عبر التعليم...و التعليم.