كنت أتمنى أن يقرأ معي الوزير عبد القادر عمارة والزميل يوسف ججيلي رواية "اللحية الزرقاء" للكاتبة البلجيكية أميلي نوتومب، ولو فعلا ذلك لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولما صدر حكم بشهرين موقوفي التنفيذ في حق صحفي، وفي قضية تتعلق أساسا بقنينة شامبانيا، ولكان الجميع تمتع بلذة الخيال. إلى جانب استرجاع قصة شخصية اللحية الزرقاء المعروفة لدى الأطفال والكبار واختفاء النساء اللواتي يرتبطن به، يتضمن آخر عمل لنوتومب مديحا للشمبانيا، وحوارات تدور حول هذا الخمر بين الشخصيتين الرئيسيتين، الفتاة واللحية الزرقاء، تجعل القارىء يتلمظ ويتذوق طعم هذا المشروب ويعجب به وينبهر دون أن يكون قد شربه من قبل، ويحدث هذا من تأثير الأدب السحري، الذي يجعلك تشرب دون أن تشرب، وتمارس الجنس وتحب وتقتل دون أن تفعل ذلك. الشمبانيا في هذه الرواية الجميلة هي النسخة السائلة للذهب، والذي يحب الذهب وما يرتبط به لا يمكنه إلا أن يعشق هذا السائل الأشقر، الذي لا يشربه إلا الضالعون في فن الذوق والعيش، وقد جلست البطلة في الرواية مع اللحية الزرقاء أكثر من جلسة وشربا أكثر من قنينة، وربما بفضل الشمبانيا وتأثيرها نجت من المصير الذي كان ينتظرها في تلك الغرفة السوداء التي حذرها من فتحها. ومثل الرواية فتح مدير تحرير مجلة الآن غرفة الفندق الممنوع عليه فتحها، ووجد قنينة الشمبانيا، وبعد ذلك كذب الوزير الحكاية وصدر الحكم اليوم عن المحكمة، وتحول عصير الذهب في غرفة في فندق بدولة في إفريقيا إلى لعنة. المثير في هذه القضية أن التحقيق الصحفي لم يعرف من شرب قنينة الشمبانيا، والتي مازال مدير نشر مجلة الآن يلح على وجودها في الفاتورة، وأعتقد أن طرفا ثالثا كان هو المحظوظ في هذا الملف، بعد أن كرع كؤوسا من النسخة السائلة للذهب، إذا افترضنا صحة الفاتورة، وهو الآن يتملظ ويضحك من المحكمة وحزب العدالة والتنمية والحكومة والزميل يوسف ججيلي. هل هذه قضية تستحق فعلا كل هذا الاهتمام، وهل من المعقول أن تنشغل حكومة بقنينة شمبانيا، ويصدر أول حكم سالب لحرية صحفي في موضوع كهذا، موضوع وبغض النظر عن صحته من عدمها، ليس إلا خبرا مسليا يليق بصفحات المنوعات، وكم سيبدو المغرب مضحكا، حين ستتحدث المنظمات الدولية والصحافة العالمية عن حرية التعبير في المغرب متطرقة إلى قضية الشمبانيا. كان في نظري أن تنتظر الحكومة قضية أكبر من هذه كي يحكم فيها القضاء على صحفي بالسجن، فعلى الأقل عودتنا الحكومات السابقة قبل الربيع العربي والدستور الجديد ألا تجر الصحفيين إلى القضاء ولا تسجنهم إلا في القضايا الكبيرة، بينما هذه الحكومة تترك كل القضايا الكبيرة وتهتم بقنينة شمبانيا لتعيد الاعتبار لوزيرها المظلوم. تقول أميلي نوتومب: أي نعم، الشمبانيا هي نسخة الذهب السائلة، ومن خلال الأنواع الجيدة منها فتحت بطلة الرواية قلبها للشخص الذي كان يهدد حياتها وتشك أنه في يوم ما سيقتلها،وتؤكد أنها تحب النبيذ، لكن لا مشروب مثل الشمبانيا يجعلك تشعر بالسمو، إنها الجمال المطلق وقمة الفن، الفن الكامل الذي رآه نيتشه في الرقص، وتحول في المغرب إلى قضية في المحاكم وفاتورة وقذفا. لو كان لكاتبة اللحية الزرقاء أن تعلق على هذه القضية وعلى هذا الحكم، ربما كانت ستسأل أولا عن نوع قنينة الشمبانيا، ومن خلال الجواب ستقول لنا كم هو محظوظ من شرب تلك القنينة في غرفة الفندق، لأن مدير نشر مجلة الآن مازال مصرا على أنها موجودة، والوزير إسلامي ولا يشرب الخمر مهما كان الخمر طيبا ومن النوع الممتاز، فمن هو يا ترى ذلك المحظوظ المجهول، الذي رأى فقاعات الشمبانيا في كأس البلور، وشربها حتى الثمالة، ألا يمكن أن يكون عفريتا من العفاريت التي يتحدث عنها بنكيران، والمشكل أن القضاء لا يرى العفاريت، ولا أحد يمكنه أن يحاكمها، ولا ججيلي ولا الرميد ولا أنا ولا نوتومب يمكنهم أن يصدروا حكما في هذا الموضوع. لكن السؤال الذي يظل مطروحا: هل العفاريت تشرب الشمبانيا. هذا هو لغز هذه القضية، والذي يحتاج من أجل حله إلى رواية جديدة من أدب الخيال العلمي، رغم أننا نعرف مسبقا أن الوزير عمارة إسلامي ولا يشرب لا الشمبانيا ولا النبيذ، في حين لم ينف أحد بعد أو يؤكد ما إذا كانت الفاتورة صحيحة أم مزيفة، وحينما نعرف ذلك، سنتحدث عن الشمبانيا وهل هي مغشوشة أم من النوع الجيد، بعيدا عن القذف وأموال الدولة والحكم على صحفي بالحبس وهل الشمبانيا حرام أم حلال