سنفترض جدلا أننا نعيش في ظل نظام سياسي مهيكل، قوامه مؤسسات سياسية واضحة، تؤطره تشريعات مضبوطة. المؤسسات هي الملكية، الحكومة كجهاز تنفيذي، البرلمان كمؤسسة تشريعية والقضاء كسلطة مستقلة عما سلف ذكره، والتشريعات هي الدستور أولا، كأسمى قانون يخضع له الجميع، بما فيها المؤسسات السالفة الذكر، ومجموع القوانين التي تنظم العلاقات الاجتماعية في ميادين شتى... لن نعتبر حكومة السيد بنكيران، مجرد جمعية لموظفي صاحب الجلالة، مهمتها التدبير الإداري للشأن العام، ولا علاقة لها بالتدبير السياسي المنوط لحكومة أخرى قابعة في ظل الملك، والتي لها وحدها سلطة تحديد السياسات الكبرى لهذا البلد... بل سنعتبر، كما يعتبر الكثير من الواهمين، أن حكومة عبد الإله بنكيران المنبثقة عن استحقاقات شعبية ديمقراطية وأن عبد الإله بن كيران عُين وفق منطوق الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور والتي تنص على أنه " يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها." كما أن أعضاء الحكومة عُينوا من طرف الملك نفسه لكن وفق منطوق الفقرة الثانية من نفس الفصل 47 والتي تنص على " ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.". نظريا قيد الدستور سلطات الملك في تعيين رئيس الحكومة، وجعلها لا تخرج عن نتائج الإرادة الشعبية المترجمة بنتائج الانتخابات، كما قيد سلطته في تعيين الوزراء والذين لا يمكن أن يكونوا إلا باقتراح من رئيس هذه الحكومة، رغم أنه منحه سلطة إقالة أحد الوزراء باستشارة مع رئيس الحكومة، إلا أنه صمت أمام سلطة إقالة رئيس الحكومة، والتي لا يمكن أن تأتي إلا بإرادة هذا الأخير والتي ينجم عنها إقالة الحكومة برمتها... نظريا، لا يمكن للملك أن يعفي رئيس الحكومة من مهامه... في بلاغ حزب الاستقلال، يحيل المجلس الوطني بشكل تعسفي على الفصل 42 من الدستور، والذي ينص على أن " الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. يمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور. يُوقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ماعدا تلك المنصوص عليها في الفصول41 و44 (الفقرة الثانية) و47 (الفقرتان الأولى والسادسة) و51 و57 و59 و130 (الفقرتان الأولى والرابعة) و174" انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة، لا يشكل اختلالا لسير مؤسسة من مؤسسات الدولة، هو تصريف سياسي لموقف يترجم صراعات وتدافعات سياسية داخل مؤسسة واحدة هي الحكومة، لا تحتاج إلى تحكيم الملك، ولا تحتاج إلى مكالمة/ أمر بالبقاء في الحكومة إلى حين النظر السديد... تحتاج فقط أن يطبق الحزب قراره في الانسحاب الفعلي، وليس في المناورة الصبيانية (غادي نخرج وزاوكو فيا كي لا أخرج)، وتحتاج أن يعيد رئيس الحكومة مشاوراته ومفاوضاته من أجل ترميم أغلبيته وتعويض الوزراء المنسحبين من حكومته وفق تعديلات في برنامجه الحكومي حسب طبيعة التحالفات الجديدة... ما الذي يجعل بنكيران أخرس، ولا يبادر إلى تطبيق مقتضيات الدستور في هذه النازلة؟ السبب بسيط، بالعودة إلى ما سلف ذكره أعلاه، لسنا أمام حكومة سياسية بشخصية مستقلة وشاربة لروح الدستور، بل أمام مجموعة موظفي صاحب الجلالة، لا حول لهم ولا قوة غير تنفيذ الأوامر... يعرف جيدا أن حركة شباط ليست مستقلة، وأنها تحمل الكثير من التدبير الذي حيك في كواليس غير كواليس حزب الاستقلال، ويعي جيدا أن هناك ليٌ لعتق الدستور بما يجعل إقحام الملك، عبر الفصل 42، كأنه مستساغ، ويعرف أكثر، أنه حتى لو أراد أن يفتح مشاورات مع أحزاب سياسية من أجل ترميم أغلبيته، فلن يجد حزبا مستعدا أن يقف ضد إرادة الدولة في ترتيب حكومتها كما تريد... الموقف المنطقي وفق الدستور، هو أن يتصل رئيس الحكومة بالملك، ويقترح عليه إعفاء الوزراء الاستقلاليين بناء على قرار مجلس حزبهم الوطني، ثم أن يقترح عليه أسماء وزراء سيشغلون مناصبهم، كما ينص الفصل 47 من الدستور،مع ما يترتب عن ذلك من مساءلة الوزراء المنسحبين على أداءهم في المدة التي تحملوا فيها المسؤوليات.... طبعا بنكيران "ماعندوش الركابي" كي يحتكم إلى الدستور... هو الذي مرغ أنف الوثيقة أكثر من مرة وهو يتنازل عن صلاحياته...