لا يمكن الاختلاف على ضرورة نقد التراث الديني، فهو مطلب للذين إشتغلوا في هذا المجال لفترة طويلة من الزمن، لكن لا يجب ان يتحول هذا المطلب الى سبب للهجوم على الذين نفسه. فالتراث الديني يعنى كل ما انتج من قبل الانسان حول النص الديني المركزي اى القران و السنة، فإذا كان النصين الاخرين يتمتعان بالقداسة، فإن الاول يدخل ضمن المجال النسبي لأنه انتاج بشري."فكلام الله هو وحده المعصوم بشرط ان نفهمه على حقيقته، اما ما جاء بعده فهو تركيبات بشرية و لو انتجه فقهاء عضام، فهم مشروطون بظروف عصرهم و بيئتهم و مستوى المعرفة السائد في ذلك الزمان' كما يقول صاحب كتاب نقد العقل الاسلامي. لقد كشف السجال على حقيقة كلا الطرفين بعيد عن عصر الحداثة و ما بعدها، فالسلفيون ما زالوا يعيشون في المرحلة الارتودكسية الدينية الجامدة و المنغلقة على نفسها رغم استعمالهم للانترنيت لإيصال تهديداتهم، كما كشفت من الجانب الاخر ضعف التصور حول العلمانية، بل انها تحولت من قيم حاملة لقيم الحرية الى ديكتاتورية العقل، و بالتالي فالأطراف يعبرون عن سلفية مقيتة.
إن العلمانيين بالمغرب مفروض عليهم ان يكونوا اكثر انفتاحا على جميع الافكار ولو كانت مناقضة و متجاوزة في معضمها، في الوقت الذي يجب ان يكرسوا معاركهم الفكرية و السجالية لدحض التوجهات السياسية المبنية على الدين، و توضيح الالتباس الذي يحاول الاسلام السياسي بوجهه الرسمي و الغير الرسمي استغلاله لضرب كل الافكار و التوجهات التي تنطلق خارج السياج الدوغمائي القروسطي كما وصفه المرحوم محمد اركون، كذلك هناك معارك اخرى ذات الاولوية، نقد السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و الاعلامية و الثقافية و تدبير موارد الدولة و ادانة كل اشكال الظلم الاجتماعي .لكن قبل هذا و ذاك ماهي اسباب النزول للهذه المعارك في هذه الظرفية؟ اكان المغرب في عهد الحرية و العلمانية و انقلب بقدرة قادر الى دولة دينية في خلسة دون استئذان لأصحاب الارض؟
في رائ ان ما نسمعه و نقراءه من سجالات بين الامزيغ و الاسلاميين عبارة عن سجالات و همية الغرض منها تحوير النقاش عن المسار الحقيقي الذي كان سائدا حول الثروات و الفساد و الازمة الاقتصادية و مكانة الامازيغية في الاعلام و التعليم و الدستور و خباياه، و الصحراء و تدبيرها، و تودا و مطالبها المنجمية، و السخط المتنامي من سياسة اثقال كاهل الشعب بمزيد من الضرائب، و تكلفة سحب المسودة الامريكية من مجلس، و صفقات فرنسا الاخيرة مع المغرب، وغير ذلك من المواضيع التي تهم الفئيات العريضة من الشعب المغربي بكل تلاوينه، بيما فيه السلفيين و الامازيغ و الا دينين.
ان الامر يتعلق بالبحث عن تناقض في المكونات السياسية المغربية بعد انحصار دور اليسار و دبوله و قوة شوكة الاسلاميين الذين لا يختلفون عن النظام إلا في نسبة التزمت ما داموا متفقين من حيث المبدأ.
ان نقد الفكر الديني و غيره من الافكار يحتاج الى الاهلية العلمية التي يحتاجها مناقشة هكذا الأفكار لان الفكر الديني سيطر على هذه الرقعة الجغرافية لقرون و نمت مصالح قوية بين المنادين به عبر هذه الاقطار، فهو فكر متعدد الجنسيات.
فالعدة العلمية و المنهجية لتشريحه لا تتوفر من منظوري لأطراف النقاش الدائر حاليا، فاغلبهم لم يدرس علم اللهوت و لا هو متمكن مناهج علم الاجتماع التاريخي و لا هم حاصلون على شواهد علمية في علم الاديان او علم النفس التاريخي.
ان النقاش الدائر يفقد الكثير من المصداقية خصوصا ان الفاعلين عمدوا الى الابقاء على تسطيحه اكثر عوض ان يكون نقاشا تاريخيا و فلسفيا عميقا. فالبحث عن الاثارة هو هاجسه و صناعة تناقضات مرحلية هو وسيلته و الهاء الامزيغيين و غيرهم هو غاياته.
ان حرية الفكر و التعبير لا تعني الاستفزاز لمشاعر الآخرين، كما ان التكفير و القتل لا يمت بصلة بالإسلام و المسلمين، و هو نتاج لسيطرة الفهم اللساني للذين الاسلامي، عوض الفهم التاريخي المتحرك و الدينامي، و المتطور عبر سياقات زمنية مختلفة.
ان المعركة ابعد عن الفكر و السياسة بمفهومهما النبيل. ان المزايدات حول هذه الاشياء في هذا السياق التاريخي و بهذه الطريقة لها مأرب اخرى حددت في اماكن اخرى بعيدة عن الممثلين الدين يؤدون ادوارها في العلن.