في غمرة انشغال الرأي العام الوطني بالنقاش حول الدستور المرتقب مراجعته، نظم خالد السفياني، منسق مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين، وقفة "شعبية احتجاجية" يوم الأربعاء 8 يونيو الجاري بمناسبة الذكرى 44 لاحتلال القدس، وهدم حارة المغاربة. مبادرة تضامنية نبيلة مع شعب فلسطين الذي يعيش منذ عقود واحدة من أبشع تجارب الظلم في تاريخ البشرية الحديث، بغض النظر عن العمق العنصري لإيديولوجيا التضامن مع الفلسطينيين باعتبارهم عربا ومسلمين فقط وحصرا وليس باعتبارهم بشرا منتهكة حقوقهم الأساسية في الحياة وتقرير المصير. لولا أن مبادرة السفياني ومن معه استندت هذه المرة على مبرر عجيب. البلاغ الصادر عن المنظمين يدعو المواطنين إلى المشاركة في هذه الوقفة "استنكارا للخطوة التطبيعية الفاضحة بالمغرب عبر تنظيم المهرجان العالمي للرقص الشرقي في مدينة مراكش من 7 إلى 13 يونيو 2011 بمشاركة صهيونية من خلال حضور راقص إسرائيلي، في خطوة استفزازية واضحة لشعور المغاربة قاطبة والرقص على جراح و آلام الأمة بتنظيم هذا المهرجان التطبيعي والفاضح في نفس ذكرى حرب الأيام الستة من 7 الى 13 يونيو 1967 و سقوط القدس الشريف". تفيد هذه الفقرة أن السفياني ومجموعته يملكون معلومات أكيدة حول عقيدة هذا الراقص وآرائه السياسية وموقفه من الإنسان "غير اليهودي" والفلسطيني تحديدا، أو ربما نشاطه السياسي أو حتى العسكري خدمة لعقيدته الصهيونية، وأنه بناء على تلك المعلومات تقررت الدعوة إلى الاحتجاج على حضوره في مهرجان للرقص بدعوى أنه "صهيوني"، خاصة وأن السفياني صرح لجريدة "التجديد" الناطقة باسم حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية، في عدده ليوم 10 يونيو 2011، بما يفيد أنه متيقن من أن الراقص المعني بالأمر "صهيوني". يقول السفياني: "إن حضور 17 من الصهاينة في مهرجان الرقص الصهيوني ليس صدفة أو عملا معزولا، ولكن مخطط رهيب لزرع السرطان الصهيوني في الجسم المغربي". طبعا لا السفياني ولا غيره أدلوا بما يفيد قناعتهم بكون هذا الراقص "صهيونيا" لا يجوز التطبيع معه، ليتولد عن ذلك احتمال ثانمفاده أنهم يعتبرون أي إسرائيلي "صهيونيا" بالضرورة - وهذا هو الاحتمال الأرجح - يتوجب على المغاربة باعتبارهم "عربا" و"مسلمين" رفض استقبالهم في مراكش باعتبارها جزاء مما يتوهم أنه "وطن عربي" أو باعتبارها جزاء من "دار الإسلام". من يسمع ويطالع ما يصدر عن اليمين العنصري المتطرف في أوربا، مهد الحداثة الإنسانية، بشأن الأجانب، يمكنه أن يتقبل وجود مثل هذا المنطق العنصري في مجتمع متأخر لم ينخرط بعد في مسار التاريخ تحاصره قيم الكراهية والعنصرية من الفضائيات والصحف والأنترنت ومنابر المساجد عقب خطبة كل جمعة. كما أن من ينظر لما حققه الفلسطينيون من مكاسب مقابل إعمال الواقعية والبراغماتية والاعتراف بالأمر الواقع، أي إسرائيل وما وراءها من قوة، (مع كل المؤاخذات الموضوعية على هذا النهج)، ويقارنه بما ضيعه الواهمون المفارقون للواقع والممارسون للسياسة بناء على المراد تحقيقه وليس على الممكن، لا يسعه إلا أن يستغرب ما الذي يمكن أن يجنيه الفلسطيني من تضامن يتجاهل الأمر الواقع، وكيف يمكن دفع الإسرائيلي المعتدي للإقرار بالشرعية الدولية دون الإقرار بوجوده أصلا. أما الاحتمال الثالث فهو أن يكون هذا الراقص الإسرائيلي صهيونيا بالفعل دون أن يرى السفياني ومجموعته داعيا للإدلاء بما يفيد كونه كذلك وإقناع المواطنين بالاحتجاج على حضوره إلى مراكش. بناء عليه يصبح المنطق الذي بني على أساسه الاحتجاج على التطبيع مع هذا الصهيوني كونه يحمل أفكارا عنصرية تسوغ قتل الفلسطينيين وتهجيرهم وحرمانهم من كافة حقوقهم. يصعب على من يعتبر نفسه منتميا لبني البشر في صيغتهم الحديثة "أومو سابيانس"، بغض النظر عما أوقعته تجارب التاريخ والهجرات بينهم من اختلافات وتناقضات، أن يتقبل مثل هذا المنطق الذي يستنفر الإنسان "العربي" و"المسلم" ليحتج على التطبيع مع راقص يحمل أفكارا صهيونية أو يناضل من أجلها، ليلوذ بعدها بالصمت المطبق، طيلة السنة، تجاه باقي العنصريين سواء الحاملين منهم للفكر العنصري أو المناضلين من أجله أو الإرهابيين الذين يقتلون غيرهم مصداقا لهذا الفكر أيا كان حامله وأيا كانت ضحيته، وما أكثرهم بين ظهرانينا. مع ذلك وفي ظل جو التخلف والنفاق الثقافي والذي زاده تكريسا ربط الأمة المغربية تعسفا ببعض قيم المشرق المغرقة في العنصرية والطائفية والشمولية، وبالنظر لفظاعة الظلم الواقع على الإنسان الفلسطيني وبشاعة الجرائم التي يعانيها يوميا على مدى عقود، يمكن التماس العذر لهذا المنطق وترك هذا النقاش جانبا باعتباره ترفا تلغيه أولوية التضامن اللا مشروط مع الفلسطينيين أيا كان مضمونه وأفقه. غير أن المرء لا يملك أن يكتم غيضه ويغض الطرف عن هذه البداهات التي فرضت علينا فرضا حين يتذكر أن نفس السفياني ونفس المجموعة تتضامن مع السفاح بشار الأسد، الجزار السوري، الذي يواصل قتل "العرب" و"المسلمين" في سوريا منذ أشهر! وقاحة وأي وقاحة. السفياني عينه الذي يجمع الناس للتظاهر ضد حضور راقص "صهيوني" شد الرحال إلى العاصمة اللبنانية بيروت يومي 16 و17 أبريل 2011 للمشاركة في الدورة الثامنة لما يسمى "المؤتمر القومي الإسلامي". البيان الختامي الصادر عن هذا المؤتمر أكد على "دعم مطالب الإصلاح في سورية إلى جانب دعم مواقف سورية الحاضنة للمقاومة الفلسطينية والمساندة للمقاومة اللبنانية والممانعة للهيمنة الأمريكية والشرق أوسطية الصهيو – أمريكية"، دون أن يوضح هذا البيان الذي وقع عليه السفياني بصفته "عضوا للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي"، كيف يمكن دعم مطالب الإصلاح في سورية مع دعم مواقف النظام السوري في نفس الوقت، علما أن مطالب الإصلاح التي يرفعها المدنيون السوريون العزل يواجهها النظام السوري نفسه بالرصاص الحي والأسلحة الثقيلة، أسلحة لم يوجهها الجزار بشار الأسد ولا والده الراحل حافظ الأسد سفاح حماة قط ضد "الصهاينة" منذ حرب 1973 التي لم تحرر هضبة الجولان السورية المحتلة. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نظمت وقفة احتجاجية على جرائم نظام حزب "البعث" السوري التي لم ير البشر لها مثيلا سوى فيما اقترفته الصهيونية والنازية، غاب عنها السفياني. في حين كانت جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة، العضو النشيط في رفع شعار "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود" ضمن مجموعة السفياني لدعم العراق وفلسطين، أكثر دهاء. إذ وقع عضو أمانتها العامةمحمد وجدي حمداوي، عضو الأمانة العامة لجماعة العدل والاحسان، على بيان العار هذا الذي يدعم النظام السوري في بيروت، ثم دعت أعضاءها إلى الوقوف تضامنا مع السوريين في مساجد المملكة ذات جمعة. إذا كانت محاربة التطبيع مع الصهيونية لا تمنع السفياني ومن معه من التطبيع مع الجزار السوري بشار الأسد، بل وتسوغ له التضامن معه رغم جرائمه التي يقترفها في حق الشعب السوري، فيا مرحبا بالراقص الإسرائيلي في مراكش.