والناس في المغرب تجاه هذا الرأي صنفان: صنف يرفضه بشدةو وصنف يعتنقه بشدة. الصنف الأول يتصور أننا مثل مصر وتونس تماما. شعب فقير في بلد فقير بأثرياء قلائل, وبفساد كبير يمس عديد الميادين, وبنافذين استطاعوا خلال سنوات معدود أن يتميززا عنا "التميز المغربي الحقيقي". أن يراكموا الثروات فوق الثروات, وأن يتفرجوا على الشعب وهو يغرق أكثر فأكثر في الوحل المسمى فقرا. الصنف الثاني يعتقد أن في المسألة مبالغة مغرضة تريد إسقاط الطائرة الثورية في مدرجنا المغربي بأي ثمن, وتريد إسقاط واقع بعيد عنا على الواقع الذي نحياه. لآصحاب هذا الرأي يقولون إنه من العيب مقارنة نظامين بوليسيين مثل نظامي مصر وتونس السابقين بنظام أسس كل قدومه إلى المغاربة منذ 1999 على كلمتي الإنصاف والمصالحة في كل المجالات, وفتح من كوات الحرية التي كانت مغلقة تماما في عهد الراحل الحسن الثاني الشيء الكثير مايشفع له أنه سبق كل العالم العربي إلى تحريك شعار "الشعب يريد" قبل الزمن بكثير. في الرأيين معا بعض الصحة, ولهما معا بعض الأنصار, وفيهما أيضا غير قليل من الخطأ إذا ما أخذناهما بهذا المعنى الحرفي الضيق لكل واحد منهما. نعم نحن دولة بشعب فقير وبقلة ثرية اكتسبت أغلبيتها ثروتها بطرق ليست فوق مستوى الشبهات وتمكنت من أن تشكل بينها وبين بقية أفراد الشعب القطيعة القاتلة, تلك التي يحاول البعض اليوم ردم هويتها. نعم نحن بلد تمكن فيه بعض النافذين في ظرف سنوات قليلة من الاغتناء الفاحش الذي لايمكن أن يكون إلا على حساب فقرائنا. نعم نحن بلد لازالت فيه بعض المعالم السلطوية القديمة الموروثة من سنوات القمع الكبرى, والتي يريد شعبنا القطع معها بكل الوسائل السلمية الممكنة. كل هذا نقول نعه معم, ونبصم بالعشرة ونزيد, لكن بالمقابل من اللازم أن نقول : لا , لسنا اليمن الذي يتندر رئيسه من شعبه وهو يطلق عليهم الرصاص ويقول إن أمريكا حاقدة على الديمقراطية اليمنية. لا, لسنا ليبيا التي وزع القذافي طرافها ودمها بين القبائل العالمية اليوم, وجعلها ملزمة بأن تدفع أبناءها لقتال بعضهم البعض في أفق التخلص من شبح الديكتاتور العالق. لا لسنا مصر ولسنا تونس ولسنا الدول الخليجية الغارقة في سنوات تخلفها القديمة, والتي تريد قياداتها فقط أن تنقذ سلطتها ولتذهب الشعوب إلى الجحيمز وشعبنا في كل هذا؟ الشعب الذي ظل لسنوات يتفرج على لعبة سياسية تخادعه فتخدعه, والذي تقبل "بصدر رحب" أن يمثله أناس عاجزون عن تمثيل أنفسهم في البرلمان, في المجالس الأخرى المنتخبة, في كل شيء, هو الذي يقول اليوم إنه يريد التغيير, لكن أي تغيير؟ وبأي ثثمن؟ وبأي طريقة؟ الحركة التي حملت إسم 20 فبراير والتي تبنت هذا المطلب الشعبي الكبير ابتدأت في الشارع حركة لكل الشعب, وتكاد تنتهي اليوم إلى حركة لبعض التنظيمات المتطرفة ومعها بعض التنظيمات التي لاترى لا هي ولا مناضلوها إلا بالمجهر , لذلك انفض عنها الناس أو كادوا إلا ممن جعلها حصان طروادة لكثير من الأمور التي يريد الوصول إليها ولا يقوى على التعبير عنها بشطل صريح اليوم دون المرور من شعارات الشعب الجامعة. هل هي ثورة في نهاية المطاف؟ علينا الاعتراف أنها انعطافة تارخية هامة حركت كثيرا من البرك الراكدة, دفعت البلد إلى تنظيم استفتاء حول دستور جديد, أخرجت الأحزاب المغربية الميتة من رقدة أهل الكهف التي اعتنقتها لقرون وقرون, قتلت الإرادة المعلنة في تنصيب حزب الدولة على رؤوسنا جميعا مهما كان رأينا في هذا الحزب, أخرجت إلى الشارع شبابا جديدا بشعارات جديدة, ومكنتنا من أن نتحدث بلغة صريحة وعارية من نفاقنا العادي عن كثير من الأمور. لكنها بالتأكيد ليست ثورة. الثورة يلزمها فكر لكي يسندها, وفي الحركة المغربية التي تريد أن تحكم الشارع هناك غياب لحد الآن لأي شيء فكري موحد بين كل الأطراف التي خرجت لكي تصرخ ضجرها والتبرم من كل شيء.وهناك شبه ضبابية عن شكل الغد الذي يؤسس له كل هذا الصراخو وهناك ما هو أقسى : عدم الإيمان بوجود أي رابط بين الشعب الذي تتحدث الحركة باسمه وبينها نهائيا. ولكم صعقت عندما سمعت شبابا من الحركة يتحدثون عن فقراء المغرب بمناسبة فشل الوقفات التي ينظمونها في الأحياء الشعبية بالقول "دوك بوزبال ماتعولش عليهم. راهم يبيعوك بزرقا", أي بمائتي درهم. عندما تبدأ ثورتك باحتقار شعبك, توقع أن يكون الفشل هو رفيقك الأول ورفيقك حتى الختام. نواصل حديث "الثورة" المغربية هذا فيما بعد.