لنتفق أولا أن التعديلات الدستورية المقبلة تبقى دون انتظارات الشارع، لأنها مرفوضة مسبقا من زاوية الآلية المتبعة لإعدادها، اعتبارا للرفض الذي قوبلت به طريقة تشكيل ما يسمى "اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور" التي واجهتها حركة 20 فبراير بالتأكيد على ضرورة اعتماد هيئة تأسيسية منتخبة لإعداد دستور ديمقراطي، وبالتالي تأخذ المشاركة في الاستفتاء معنى الاعتراف بالأسلوب البائد المعتمد لفرض "إصلاحات" النظام المنثورة من فوق بغرض التغطية على المطالب الحقيقية للشعب. بعده لا حاجة للتأكيد على أن نتيجة الاستفتاء مرسومة سلفا من لدن مهندسي مستقبل النظام، مما يعدم جدوى المشاركة في مسرحية لا قيمة لها . هكذا يتضح أن الدستور القادم لا يشكل مهادا للشعب لتحقيق واقع الكرامة والحرية المنشود، بل يوفر للنظام متنفسا جديدا للدعاية الفجة تلميعا لصورته وتضليلا للتاريخ، بعد أن عجّلت "20 فبراير" بفناء كل الشعارات التي حلقت لِما يزد عن عقد من الزمن في سماء "العهد الجديد"... المطلوب إذن من كل الفاعلين من أجل التغيير، غلق هذا المتنفس وتشديد الخناق على النظام تعميقا لأزمته في مواجهة الحراك الشعبي عبر إجهاض محاولته تحقيق "إجماع" جديد حول "الإصلاحات" الترقيعية ، وهو الإجماع الذي أصبح من خرافات الماضي في زمن الثورات التي يشتد لظاها كل يوم. من هنا تأخذ مقاطعة "الاستفتاء" قوتها باعتبارها ضربة أخرى لتعميق أزمة النظام عبر الانخراط فيها كمعركة جديدة في حرب التغيير بالمغرب، وحلقة وصل أساسية لإذكاء نار انتفاضة الشعب خلال مرحلة ما بعد مهزلة تنزيل "الدستور الجديد"، وهذا هو الرهان الأكبر. لا شيء تحقق لحد الآن على أرضية المطالب المرفوعة، وهذه الحقيقة تفرض على جبهة التغيير مواصلة الطريق واعتماد كافة الوسائل المتاحة للضغط والمجابهة، بدل صرف الاهتمام لامتشاش العظام الذي تُلقى من فوق والانخراط في النقاش التافه حول "الإصلاحات"، الذي يراد له بمساندة من قوى المعارضة الشكلية أن يتمحور حول الإجابة على السؤال المحكوم مسبقا بقواعد المهزلة، ب"نعم" أو "لا" ، بغاية التعتيم على المستقبل وعزل عجلة التغيير عن واقع الصراع بهدف تفادي احتكاكها بأرضية مطالب الشعب، لتدور في الفراغ دون أي تقدم إلى الأمام. النظام يسعى الآن لغلق صفحة "20 فبراير" وفتح صفحة الشعارات التضليلية من جديد، حول مغرب "حقوق الإنسان" و"الإصلاحات" "والانتقال الديمقراطي"، و"تعزيز مكانة الحكومة والبرلمان" و"ربط المسؤولية بالمحاسبة" وهلم أساطيرا... وهي شعارات معزولة عن حقيقة الواقع الحارق الذي نعيشه، المرحلة إذن تقتضي منا تسييد خطاب آخر يعبر عن هذا الواقع ، والبحث عن امتدادات أخرى لصفحة "20 فبراير" المفتوحة لتثبيت صور القمع الهمجي والتنكيل المعبرة عن حقيقة النظام ، وتدوين المحطات النضالية والتضحيات وأسماء الشهداء والمعتقلين... الخطوة الموالية إذن، تبتدئ بمقاطعة "الاستفتاء" كمعركة لوصل حاضر 20 فبراير بمستقبلها، وجبهة حرب جدبدة تتفجر على وقعها المزيد من التناقضات...