— لم يتغير العرب. لا الربيع غيرهم ولا الثورة ولا الهاتف النقال ولا إيبولا ولا توالي السنين ولا الإخوان ولا داعش ولا إسرائيل. لا شيء يقدر على العرب. صخرة صماء ويا جبل لا تهزك ريح آخر إنجازاتهم أنهم طردوا برنار هنري ليفي من تونس وها هي الجزيرة تطبل وها هي الصحافة العربية تفتخر بهذا الحدث التاريخي والرفاق في الفيسبوك ينتعظون ويصفقون ويتفرجون في الفيديو الفتح المبين والنصر الكبير والمعركة الحاسمة لقد كشفوه قبل أن يخترق تونس، وأعادوه خائبا من حيث أتى. ويا له من إنجاز كبير ياله من نصر حتى التونسيين، الذين ظنناهم تخلصوا من أمراضنا، ما زالوا يشبهوننا. كلنا توأم كل العرب توأم وحدة الصف والمصير وكلنا نفكر بنفس الطريقة هذا الشخص المسمى برنار هنري ليفي شر مطلق، وهو الذي دمر ليبيا، وأينما ذهب يحمل معه المؤامرات ويلقيها في وجوهنا، ثم ينصرف فارا بجلده. هذا اليهودي الصهيوني، تسخره إسرائيل للنيل من العرب. هذا الفيلسوف المدعي دوره هو زعزعة بلاد العرب المطمئنة والمزدهرة. ولا مكان له بيننا. شخص واحد. فرد. وخطير إلى هذا الحد. طاعون ولعنة ووباء. كان برنار هنري ليفي يظن أنه مجرد شخص يلبس أقمصة بياقات ناصعة البياض، ويصادق الملوك والرؤساء، وله حساباته وأفكاره السياسية، قبل أن يكتشف أن العرب جعلوا منه نبي الشر، وأنهم آمنوا بقدراته الخارقة، وأنه قادر على كل شيء. شعوب تخاف من عدو فرد، لأنها في لا وعيها لا تؤمن إلا بالزعيم الفرد. إلا بالمخلص الفرد الذي تبحث عنه بشق الأنفس. وقبل أن يظهر القائد يجب طرد برنار هنري لويس، لئلا يستغل الفراغ الموجود. اهربوا اهربوا برنار هنري ليفي قادم اهربي يا تونس اهربوا يا عرب لقد جاء صديق شاه مسعود جاء النبي الشر الذي نشر ديانته في بنغلاديش ودافع عن المسلمين في البوسنة والهرسك من أجل التمويه ودافع عن الكفرة في دارفور خوفا من التقدم الهائل الذي تعرفه السودان العربية والمسلمة وألب ساركوزي على القذافي ماذا يريد ماذا يريد من تونس ماذا يريد من هذا النموذج الناجح حقا لم يتغير العرب لم يتغيروا قيد أنملة كأنه لو بقي في باريس، لن يصيبهم شرره كأنه لو بقي بعيدا لن يقول ما يقول ولن ينسق مع أصدقائه ولن "يتآمر" يظنون برنار هنري ليفي يسير الدول والحكومات يظنونه دولة يظنونه رجلا خارقا يظنونه سلاحا فتاكا بينما هو مجرد فرد ثري يكتب كتبا ويواجهه نقد كبير في فرنسا ويشكون في قيمته كمفكر وينتقدون مدحه للجيش الإسرائيلي لكن لا أحد يهرب منه ولا أحد يخرج في مظاهرة للاحتجاج عليه يردون عليه ويهجونه ويسخرون منه ويكشفون أخطاءه وعدم حياده
أما نحن فنجعله يضحك منا ويستغرب ونؤكد له أنه على حق كل كلمة يقولها حق وأن تحليله صائب ولم يكذب لم يكذب برنار هنري ليفي نحن شعوب هائجة العقل عندنا مغيب والعالم كله يحسدنا على النعيم الذي نعيش فيه العالم كله يتآمر علينا وعلى نمط عيشنا وعلى ديننا وازدهارنا ويرسل إلينا برنار هنري ليفي هذا الفرنسي اليهودي هذا الذي يتنكر في صفة مفكر وصحفي ليوقف تقدمنا لكننا مستيقظون وحذرون وها نحن قد طردناه وأفشلنا مخططاته ما أجملنا نحن العرب ما أغربنا شعوب تخاف من شخص واحد شعوب بكاملها لا تعرف أن عدوها يكمن فيها شعوب عدوة نفسها شعوب تتآمر على نفسها وترى الشر قادما من كل مكان وتشجعها الصحافة وتشجعها الأحزاب وتشجعها الثورة شعوب مستيقظة وحذرة وتحرس الحدود وتصنع الاستبداد من جديد تصنعه وهي حرة
إلى أن يكبر ويكبر ويعود كما كان في الماضي القريب بل أبشع لأنه استبداده تباركه الشعوب وتربيه وتتظاهر من أجله.