مرة أخرى تبرهن الشعوب العربية، بما لا يدع مجالا للشك، أنها شعوب جاحدة، لا تعترف أبدا بالجميل. الدليل على ذلك الفعل المشين الذي أقدم عليه التونسون مؤخرا بطردهم " للفيلسوف " الشهير برنار هنري ليفي، هذا " الرجل العظيم " الذي أسدى للعرب، و لنجهر بذلك عاليا دون خوف، خدمات جليلة بدون مقابل. بالإضافة إلى كونهم شعب جاحد، اتضح أن التونسيون شعب يفتقد لأدنى حد من الشياكة. فبدل أن يفرشوا البساط الأحمر ل " بي آش إل "، كما يحلو لوسائل الإعلام الفرنسية التي تكيل له المديح أن تطلق عليه، بدل أن يشرفوه باستقبال يليق بمقامه ك "مثقف ملتزم بقضايا الشعوب المقهورة"، استقبله الملعونون بيافطات كتبت عليها بفرنسية فصيحة وبالخط العريض:" BHL, dégage !" في تناقض صارخ مع الأخلاق الحميدة والضيافة والكرم العربيين. إنه لشيء يستعصى على الفهم أن يوجه التونسيون لرجل " ديمقراطي " من طينة السيد برنار هنري ليفي نفس العبارات التي كانت تصدح بها الحناجر، في أوج ثورة الياسمين، في وجه الديكتاتور الهارب زين العابدين بن علي. إنه لخلط مؤسف لا يغتفر! بل إنها فضيحة! لسوء حظ الفيلسوف المهرج، فقد اشتدت الهريسة التونسية من جديد، فجاءت الصفعة التي تلقاها حارة للغاية بحيث سيلزمه وقت طويل كي يتعافى من الصدمة التي أحدثتها. فما فتأت أقدامه أن تطأ أرض تونس حتى اضطر للعودة خائبا إلى الديار الفرنسية وطعم الهريسة الحارق يملأ فمه. لا أكاد أتخيل الارتباك العظيم الذي تسبب له فيه طوفان الكراهية الحارة هذه. السيد برنار هنري ليفي، تقبلوا عبارات تعاطفي التام! أما أنتم، يا أنصار نظرية المؤامرة، فلتذهبوا إلى الجحيم! بعد أن أذاقه التونسيون "هريستهم" الحارقة، بعد عودته الخائبة والمذلة، اختار "الفيلسوف" المدلل، الذي يتمتع بشبكة علاقات واسعة داخل وسائل الإعلام، مجلة "لوبوان" الذي يكتب فيها كي يعرض روايته لما حدث، وليظهر حقيقة ماوقع. في هذه المقابلة الصحفية، يحاول عبثا الفيلسوف الزائف أن يخلط الأوراق، وهو يلبس قناع الضحية. إلا أنه لا يتردد، رغم أنينه ونواحه، في طرح نفسه، بكل التواضع والحياء المعروف عنه، كعارف ملم بخبايا المشهد السياسي التونسي وكل الجهات الفاعلة فيه، وفي إعطاء الدروس بتعال وأبوية فاضحة. كما أنه يؤكد من جهة أخرى إن " لجنة الاستقبال " التي كانت في انتظاره داخل بهو مطار تونسقرطاج الدولي كانت تتألف من الإسلاميين. مع ذلك، فصور فشله الذريع في تونس، التي انتشرت على نطاق واسع، لا يظهر فيها لا ملتحون ولا محجبات. اللهم إذا كان الفيلسوف الشقي قد ابتلع موادا غير مشروعة، فلابد أنه يعاني من أزمات هلوسة خطيرة. لكن علينا أن نعترف، رغم كيد الحاقدين، أن السيد برنار هنري ليفي قد قصد تونس بصفته رجل سلام. بعد أن ارتدى زي رجل مهووس بإشعال الحرائق، بعد أن ساهم بحماسة في وضع النار في مستودع البارود الليبي، كما تباهى بذلك عدة مرات، ها هو اليوم يرتدي بدلة رجل المطافئ. ذهبت لتونس، يقول الفيلسوف المسلي، لألتقي أصدقاء ليبيين خرجوا من ليبيا خصيصا لا ستكمال، على أرض محايدة، وبمعيتي، حوار المصالحة الوطنية. لا حظوا هذه الكلمات الصغيرة " وبمعيتي" التي دسها بلطف وسط الباقي. ياله من تواضع! لكن ما الذي ننتظره فعلا من رجل يحث على الحب والسلام سوى أن يكون متواضعا؟ نهاية، فالمقابلة الصحفية التي أجراها فيلسوف البلاطوات التلفزيونية كي يضع الضوء على ما جرى في تونس، تكشف فعلا الحقيقة: حقيقة رجل مزهو بنفسه يتمتع بقدرة خارقة على قول، دون الشعور بأدنى حرج، الشيء ونقيضه و بوقاحة كبيرة ليست، على كل حال، وليدة اليوم. ففي سنة 1979 ، كان بيير فيدال ناكي قد فضح وندد بجهل وغطرسة الفيلسوف الزائف: "يكشف السيد برنار هنري ليفي، في جميع المجالات عن نفس الجهل المروع، عن نفس الغطرسة المذهلة…"