"كود" لماذا ألغي مهرجان أوتار الثقافي المنظم بابن كرير، هل لهذا الإلغاء علاقة بحالة الغليان المجتمعي والمطالبة بإبعاد فؤاد عالي الهمة؟ جوابي واضح، لقد أجل مهرجان أوتار بسبب الأحداث الحالية في المغرب والعالم العربي. رأينا أنه من غير اللائق تنظيم احتفالات في وقت يواجه فيه مجتمعنا تحديات تهم مستقبله. لقد اتخذت هذا القرار شخصيا، وذلك باعتباري مدير هذا المهرجان وواضع تصوره. ولم يحدث أبدا أن تعاملت مع الأوضاع ارتباطا بفؤاد عالي الهمة، الذي ترك لي دائما حرية التصرف في ما يتعلق بهذا المهرجان. يظهر لي أني برهنت على قدر كاف من الاستقلالية وهو ما يمنحني القدرة على التفكير بوعي في الأشياء، حيث اتخذت نفس القرار بالنسبة إلى مهرجان الصويرة "ربيع موسيقى الأليزي".
"كود" كمثقف جمع بين التنظير وبين التطبيق من خلال تنظيم مهرجانات فنية مهمة، هل تعتقد أن إلغاء المهرجانات حل مناسب في هذا الوقت بالتحديد؟ لم يسبق لي أن نظمت مهرجانا فقط من أجل غاية التنظيم، ولم يسبق لي أيضا أن اعتبرت ذلك عملا مربحا. أنا رجل حر في أفعاله كما في أفكاره، والحقل الثقافي بالنسبة لي هو فضاء نعمل فيه من أجل النمو الاجتماعي والثقافي. المهرجان هو مشروع من هذا المنظور، وبهذا المعنى شكل لي أوتار خصوصا لحظة جد مهمة. إنه أحد لحظات التعبير القوية للشباب المغربي من خلال فنانيه وأكثر نجومه الواعدين بالنسبة إلى المستقبل. السنة الأولى كان موضوعها الأغنية المغربية، والثانية خصصت للأغنية المغاربية، ودائما في ارتباط مع الشباب، كما أن الفنانين الشباب يشكلون جزءا من المشروع الذي أعد معهم بعناية. لقد كان اختيارنا إذن صائبا، لأن الشباب هو المستقبل، ولهذا منحت أهمية بالغة لهذه التظاهرة التي بدت لي جد خلاقة. أنا من المنطقة وهذا الانتماء يقوي أكثر علاقتي بهذا المهرجان، إنه إذن لقاء جاء ثمرة تفكير و تشاور ينخرط في الدينامية الحالية، وحريتي تسمح لي بأن أذكر أني مدين للهمة الذي منحني فرصة وضع تصور وتنفيذ العمل. إذن وإذا لم ننظم المهرجان هذه السنة فلأنه يتوجه تحديدا إلى الشباب الذي يعتبر حجر زاويته، كما لا يجب أن ننسى أيضا أن المنطقة فقيرة وتواجه أكثر من المناطق الأخرى مشاكل هذه الظرفية، إضافة إلى جفاف هذه السنة الحاد، وقد فضلنا إلغاءه لكل هذه الأسباب، تأكيدا بحزن كبير، إنه واقع الحال، ومن الأفضل المحافظة على المستقبل.
"كود" سبق أن أشرفتم على تنظيم مهرجانات مثل الموسيقى الكلاسيكية بالصويرة وأوتار بابن كرير، هل تصدقون ميزانية مهرجان موازين الذي يتحدث عن 65 مليون درهم؟
بل أكثر من ذلك سأقول لك إني أسست "موازين"، وكنت مدير برامجه في السنة الأولى كي لا أقول أكثر من ذلك، كما منحته اسمه"إيقاعات العالم". كان من المفترض بالنسبة لي أن يشكل مبادرة ثقافية مبتكرة وسلاحا دبلوماسيا رائعا بيد المغرب يسمح باكتشاف ثقافات هامة بالنسبة إلينا سياسيا وثقافيا. وللأسف، اتخذ بعد ذلك دربا آخر، وتاه إلى حد ما بسبب الشراهة، وكما يقال، "من يسرف في فتح أحضانه لا يعانق بشكل جيد". بعد ذلك جاءت الميزانية، التي عرفت مغالاة كما هو الحال بالنسبة إلى المهرجان، لكن ليس بوسعي أن أحدد لك ميزانية، فأنا لست عرافا. وفي كل الأحوال لا يمكن أبدا مقارنته بالمهرجانات الأخرى، فأوتار لا يتجاوز سبعة ملايين درهم ، وليست له إطلاقا نفس الأهداف.
"كود" ما رأيك في عدم إلغاء هذه الدورة وهل الإبقاء عليها إبقاء على قوة صاحب المهرجان محمد منير الماجدي؟ من وجهة نظري، يرجع هذا القرار، في المطلق، إلى اللاوعي، لكنه يبقى عقلانيا في إطار منطق عمل القائمين عليه. غير أنه من المهم، لتوضيح الأمور، معرفة كيف تم التوصل لاتخاذ قرار الإلغاء من عدمه، وما هي الطريقة المتبعة في ذلك؟ يمكن مع ذلك التفكير بأن الطريق التي سار عليها المهرجان هي التي أثرت في هذا الاتجاه. إن موازين لا يتموضع في منطق ثقافي وسياسي، بل هو منفصل عن ذلك، ويشتغل بمنطق المقاولة الاقتصادية، التي تبقى مع ذلك غير واضحة. ولهذا ارتكب القائمون عليه هذا الخطأ الذي يعد سياسيا. لا أعتقد صراحة أن الأمر يتعلق فقط باختبار قوة، أي بإرادة مقصودة لإظهار قوته. لا، إنها مسألة منطق مختلف، ففي ما يخصنا فنحن نتحدث انطلاقا من السياسي والثقافي. وقد ينطلق مسيرو موازين من الاقتصادي. المشكلة مع ذلك أنهم يجلبون جزءا كبيرا من "رأسمالهم" لأسباب ثقافية، رغم أن منطلقاتهم اقتصادية. نحن هنا أمام مشكلة تعود إلى هشاشة حقلنا الثقافي، فإذا كانت الثقافة مستقلة وكانت هناك سوق وطلب ثقافي ومؤسسات رعاية حقيقية، لكان من الممكن أن تتوفر التظاهرات الثقافية على استقلالية أكبر تجاه السياسي، ولما كانت هذه المشاكل لتطرح، أو على الأقل ستكون لنا حرية أكبر في أخذ القرارات برصانة.
"كود" هل الثقافة والفنون مهددة من خلال هذا المد المحافظ الذي برز بعد 20 فبراير بالمغرب؟ أنا آسف، لأني لم أر تيارا محافظا في احتجاج من هذا النوع، لقد نظمت عدة مهرجانات وأنا مقتنع أن الظرفية الراهنة غير مناسبة للاحتفال، بل للحوار والتفكير، وعلى الأقل في ما يتعلق بطبيعة التظاهرات الفنية والغاية منها. ويسرني أن شبابنا لم ينسق إلى الانبهار بشاكيرا في السياق الحالي الذي ستغني فيه رغم أنه معجب بالفنانة ! إنه تقدم وفعل يتميز بالوضوح وليس بالمحافظة. الشباب ليسوا ضد المهرجانات، إنهم ضد طريقة تنظيمها، وضد مضمونها حين لا ينخرط في منطق تطور مجتمعنا، وضد التبذير المجاني الذي يمكن أن ينتج عنها. إثارة النزعة المحافظة هنا هو خروج عن الموضوع، ومرة أخرى سيقحمون الإسلاموية التي تجاوزها الزمن ! إن مواجهة الظلامية تقتضي انتقادها وإسقاط الأقنعة عنها وتقويض خطابها وليس اللجوء إلى رقص البطن لمجرد الرغبة في التهرب ليس أكثر ! أنا مقتنع أن اللحظة حانت لطرح مسألة الثقافة، وما يزيد من أهمية ذلك هو عدم اهتمام السلطات المسؤولة عن الشأن الثقافي والديني بها. هناك صمت مطلق من جانب الدولة. لا حياة لمن تنادي.