ولهذه القضية تاريخ صغير لابد أن يحكى، حيث يقول المتتبعون للملف أن الوزراء المعنيين بالثقافة رفضوا هذا الامر، بل منهم من لجأ الى تقبيل رأس السيد أحمد التوفيق من أجل ألا يحرجهم بمثل هذا الطلب، على اعتبار أن لا أحد أراد أن يحسب عليه الامر. وعلى كل، كان يمكن للأمر أن يبدو عاديا، حتى ولو أن استغراب هذا الامر مشروع، لأنه لماذا الاصرار على أن تكون مكتبة ابن يوسف ومكتبة القرويين تحت إشراف الاوقاف ولا تكون تحت إشراف الثقافة؟ وقد تكفلت وزارة الثقافة بإصلاح وتأهيل مكتبة من الاثنتين بإضافة المختبر والاصلاح العام، وأصبحت في مستوى تحمل المسؤولية وتلبية الطلبات العلمية للرواد. فأين الخلل؟ الجواب الوحيد الممكن هو في الطريقة التي يتم بها «تقشير» وزارة الثقافة منذ مدة. فقد تابعنا كيف تقرر أن يتولى غلاب إنجاز متاحف ومعاهد فنية بالرباط، هي في العمق وفي المحصلة من تخصص وزارة الثقافة وهكذا أصبحت مشاريع ثقافية كبرى في عهدة وزارة التجهيز، ويتعلق الأمر بمتحف الفن المعاصر ومتحف علوم الأرض والآثار، بالإضافة إلى معهد الرقص والفنالكوليغرافي، وهي مشاريع تنجز بالرباط وتهدف إلى تمكين عاصمة البلاد من معالم ثقافية وفنية .... كما تم إنجاز المقر الجديد للمكتبة الوطنية الذي افتتح في أكتوبر 2008، كما شرع في دراسة وإنجاز المشاريع المذكورة. إلى ذلك، صودق على القرار القاضي بإحداث مؤسسة المتاحف. وكانت وزارة الثقافة تقدمت بمشروع قانون إلى البرلمان لإنشاء المؤسسة، وقالت مصادر وزارة الثقافة إن هذه المؤسسة هي الحل لإخراج المتاحف من الحالة المزرية التي تعيشها حاليا، وتنمية مداخيلها المالية من خلال تنوع مصادر الدعم المالي لها. وكالة للمتاحف، يعني أن «التوكيل» الذي شمل الكثير من القطاعات وصل الى تدبير الحقل الثقافي.. وكل هذا لا بد له من معنى، والمعنى المفترض هو أن تصبح الوزارة معنية بإطفاء أضواء الكهرباء وصرف أجور الموظفين ، وبعض العمليات الاجتماعية إذا استطاعت إليها سبيلا. واليوم أصبح السؤال الشاعري الكبير ، يستحق فعلا أن يطرح متى يعلنون وفاة وزارة الثقافة؟ إن هذا التقشير يعد بمثابة ..اغتسال المحتضر قبل أن ينتقل الى وضعه كميت! هذا التفقير المؤسساتي، لا يمكن أن نتركه يمر بدون رأي، وليس بالضرورة بالانتقاد، لأن الثقافة أيضا هي اقتصاد الثقافة، ولا يمكن أن يكون هناك اقتصاد بدون مجالات ولو رمزية، يمكنها أن تكون ضمن التدبير.