البيجيدي ضد تغيير الثقافة السياسية في البلاد وضد التأويل الديمقراطي للوثيقة الدستورية. هذا أقل ما يمكن أن يقال في الشق السياسي لسلوك بعض قيادات حزب رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران لحد الآن بعد مرور أشهر على تنصيب حكومته أمام البرلمان. السلوك السياسي لبعض أعضاء حزب المصباح يفتقد للروح الديمقراطي. رغم أنهم يدعون الدفاع عن القيم، لكنهم بعيدون كل البعد عن الإلتزام بأخلاق السياسية، فيسمون الأمور بغير مسمياتها، ويحاولون الظهور بمظهر الضحية، ويلجأون لخطاب المظلومية لتصنع عداء الدولة وأجهزتها لهم أو جهات نافذة، بل أيضا منافسيهم من الأحزاب المعارضة. «دهاؤهم السياسي» يجعلهم يحيدون عن الثقافة السياسية للنخبة الديمقراطية. هم أشبه ب«الدونكيشوطيين»، يحاولون اللعب بعيدا عن المؤسسات وإن كانوا داخلها. فيتوهمون أعداءا لا وجود لهم في الممارسة السياسية من «تماسيح » و«عفاريت»، وغيرها، وهم يدركون أن لا أحد يستهدفهم سوى عجزهم عن مواكبة التحول السياسي في البلاد وافتقادهم للجرأة الضرورية لفرض تطبيق ديمقراطي ومتقدم للدستور. صحيح أن قلة من قياديي الحزب شاركوا في حركة 20 فبراير، وطالبوا بالملكية البرلمانية ورفعوا شعارات محاربة الفساد والإستبداد، لكن الحزب هو الوحيد الذي استفاد من الحراك الشعبي وإن لم يشارك فيه. ويحق لنا اليوم التساؤل هل العدالة والتنمية الذي لم يكن مع التغيير هو اليوم حجرة عثرة أمام تنفيذ الدستور بروحه المتقدمة؟ أم أن ليس لأمينه العام الجرأة السياسية ليكون رئيس حكومة حقيقي رغم الإختصاصات والصلاحيات الواسعة التي مكنه منها الدستور الجديد؟. مباشرة بعد التعديل الدستوري، قال محمد الطوزي أحد أعضاء لجنة وضع الدستور في أحد حواراته أن «ليس من مصلحة الملك أن يكون رئيس حكومته طيعا». وبدا بالفعل بعد مرور الأشهر أن رئيس الحكومة «طيع جدا» ويفتقد للشخصية والسلوك السياسيين الذين تتطلبهما المرحلة، وسار على نهجه بعض قيادات حزبه. لا يدرك رئيس الحكومة ومعه بعض أعضاء حزبه أن من منحوه أصواتهم وحتى الأغلبية الصامتة لها انتظاراتها في توسيع الهامش السياسي والديمقراطي الذي فتحته فصول الدستور الجديد وتأويله تأويلا ديمقراطيا، بل إن الملكية يسئ إليها الإختباء وراءها لأن المسؤولية أصبحت مرتبطة بالمحاسبة. بالأمس كان الكثير من السياسيين يقول أن ليس من مصلحة الملك أن يمارس السلطة التنفيذية لأن الملكية فوق المحاسبة، وخطاب تاسع مارس ومعه الدستور أكدا على ربط المسؤولية بالمحاسبة، ورئيس الحكومة وفريقه هو الوحيد الذي يحاسب على اختياراته اليوم أمام البرلمان والشعب، ولذلك لا يمكنه أن ينزعج من كثرة المساءلة له تحت قبة البرلمان، ولا طائل من توهم أن المعارضة تستهدفه لأن تلك مهمتها الحقيقية. أكيد أن الدستور الجديد يحتمل عدة قراءات منها الممكن وغير الممكن كما قال الطوزي، لكن كل ذلك يتوقف على شخصية رئيس الحكومة. والممارسة السياسية لحد الآن بينت أن تأويل النص الدستوري والدفع به نحو المزيد من التوازن الرمزي للسلط لن يتحقق في ظل الوضع الحالي حيث «رئيس الحكومة الطيع». أن يحس أعضاء حزب العدالة والتنمية أنهم مستهدفون دائما وأن أطرافا تراهن على إفشال الحكومة، لا مجال له في عهد دستور الربيع الديمقراطي، فكل الترسانة الدستورية تجعل موازين القوى لصالحه، لكن دون توفر الجرأة السياسية فلن يكون لروح الوثيقة الدستورية معنى. ربما يتناسي رئيس الحكومة أن أصوات المغاربة قادته لاكتساح البرلمان وأنه لولا أغلبية المقاعد التي حصدها حزبه لما عين رئيسا لها، ويمكنه أن يذهب بعيدا و «يضع البيضة ف الطاس»، وكما قال الطوزي أيضا « أن أهم المبادئ الأساسية للدستور الجديد هي السيادة للأمة التي يعبر عنها بالعودة لصناديق الإقتراع، وأن للملك العودة لاستفتاء الأمة في لحظات الأزمة مع رئيس الحكومة. وأن الدستور الجديد كفيل بتدبير التوازن الرمزي بين المؤسسات وبمأسسة الأزمات. البيجيدي الآن في السلطة وبضمانات دستورية، ولا مجال للتباكي والإدعاء أنه ضحية ومستهدف من قبل خصومه ومن أحزاب بعينيها، ويدرك أن لا مصلحة لأي كان في عرقلة تجربته الحكومية. خطاب الضحية لن يبرر التردد في تطبيق الدستور، والتأخير في وضع القوانين التنظيمية، ولن يبرر التخبط حتى الآن في تدبير الملفات العمومية الأكثر سخونة وارتباطا بالمعيش اليومي للمغاربة، لذلك فالإستمرار في التنكر لأخلاق السياسة لعب بالنار. أوسي موح لحسن