إن أي نص يتخذ طابع وموقع المرجع والمؤطر لابد له من تأويل، وفي شأن الوثيقة الدستورية يكون واجبا اعتماد التأويل الديمقراطي من أجل تنزيل فعال لبنود الدستور الجديد، وقد تحدث جلالة الملك خلال خطاب العرش الأخير عن ضرورة التأويل الديمقراطي للدستور، وذلك بعد أن حدد مرتكزات حسن سير المؤسسات الدستورية والمتمثلة في الالتزام بسمو الدستور روحا ومنطوقا، كنهج قويم ووحيد لتطبيقه. حيث قال جلالة الملك "ومن ثم، نعتبر أن أية ممارسة أو تأويل، مناف لجوهره الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا ومخالفا لإرادتنا، ملكا وشعبا". و"إيجاد مناخ سياسي سليم، جدير بما أفرزه هذا الدستور من مغرب جديد، مفعم بروح الثقة والعمل، والإقدام والتعبئة والأمل، والالتزام بتجسيد جوهره المتقدم على أرض الواقع". و"العمل بروح التوافق الإيجابي، على تفعيل المؤسسات الدستورية، بالاعتماد الجيد للنصوص القانونية، اللازمة والإصلاحات السياسية الهادفة لانبثاق مشهد سياسي ومؤسسي جديد وسليم، جدير بدستورنا المتقدم، وكفيل بعدم إنتاج ما يشوب المشهد الحالي من سلبيات واختلالات". وبعد ما حدد جلالة الملك مرتكزات صيانة المؤسسات الدستورية حتى لا يمكن التلاعب بها أو أن تكون عرضة للتحولات التي تأتي بها رياح الأغلبيات المنتقلة بين هذا الطرف وذاك، أرسل إشارات قوية إلى أنه وباعتباره ملك البلاد يعتمد التأويل الديمقراطي للدستور وذلك من خلال تعيين عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيسا للحكومة وتكليفه بتشكيلها، وهي إشارات تفيد أن الملك اختار من اختارته قواعد الحزب الرجل الأول في مجموعته مع العلم أن الفصل السابع والأربعون من الدستور ينص على أن "الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها". وكان بإمكان الملك بما يملك من حق دستوري أن يعين أي قيادي من حزب العدالة والتنمية سواء كان في الأمانة العامة أو غيرها من مؤسسات الحزب، لكن التأويل الديمقراطي للدستور لم يذهب بعيدا فاختار الرجل الأول في الحزب، ولو تم تعيين غيره لأحدث قلاقل داخل الحزب، وكان يمكن أن يؤدي إلى مشاكل داخلية قد تصل إلى التفتت أو الانشقاق الداخلي. لا نعرف ما إن كان بنكيران قد فهم تلك الإشارات أم لا؟ وعلى العموم فإنه أصبح مطالبا أيضا بالتأويل الديمقراطي للدستور الذي نص في فصله الستون على أن "المعارضة مكون أساسي في المجلسين، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة، طبقا لما هو منصوص عليه خاصة في هذا الباب". فالتأويل الديمقراطي يفرض تكوين أغلبية منسجمة في مقابل معارضة قوية، وإن أي حرص على تكوين حكومة هجينة سيصنع معارضة غير فعالة، وإذا كان بنكيران وجد نفسه أمام مفاوضين شرسين من حزب الاستقلال فليس مقبولا منه أن يسعى نحو أحزاب ينبغي أن تكون في صف المعارضة، فالعدالة والتنمية يشترك مع حزب الاستقلال في الدفاع عن الهوية السلفية كما أن الحركة حزب تقليدي بمعنى المحافظة على الهوية الأمازيغية للمغرب وبالتالي يبقى هذا القطب هو المنسجم في حكومة بنكيران على أن يكون الاتحاد والتقدم والاشتراكية والأصالة والمعاصرة والأحرار في المعارضة كقطب مدافع عن الحداثة.