انطلقت احتجاجات حركة 20 فبراير، كترجمة واقعية لجمود الحراك السياسي المغربي وغياب تنظيمات حزبية ونقابية قادرة على تأطير الشباب والشابات، وستعاب حجم المتطلبات التي يتطلعون إليها، وقد مكنت الحركات الشبابية الاحتجاجية في كل من مصر وتونس وليبيا من اعطاء دفعة قوية لشباب 20 فبراير، إذ ترسخت لديهم تلك الصور التي كانت تتناقلها المواقع الاجتماعية وشبكات التواصل الاجتماعي والقنوات، عن الميادين المكتظة بالمتظاهرين وكذا سقوط طاغيتين في ظرف وجيز. وقد حاولت الحركة في بدايات تشكلها تسطير مجموعة من المبادئ والأسس السياسية، قصد تأطير تحركاتها ومطالبها، وذلك ما تجلى في البيان الأول ل " حركة حرية ديمقراطية الآن " والذي طالب بالملكية البرلمانية كسقف سياسي للحراك، وكذا طالب بسن مجموعة من الإجراءات الاستعجالية اقتصاديا واجتماعيا للخروج بالبلاد من نفق الريع والفساد والاحتكار السياسي للسلطة والثروة.
هنا لن لأخوض في تحليل مسار حركة أو الإخفاقات التي عاشتها ومن السبب في إجهاض الدور المحوري الذي لعبته في تسريع عجلة ما يسمى بالإصلاح، سأنتقل مباشرة إلى مناقشة آفاق الحركة لعل بين سطور المستقبل نستشف مت يكمن أن نعرفه عن الحركة وحيف تحولت من فاعل سياسي إلى قيمة معنوية.
مختلف المحطات الحركة الاحتجاجية والتعبوية والإقتراحية وإن كانت هذه الأخيرة قليلة – التي عاشتها الحركة خاصة هذه التواريخ المؤثرة بمسار الحركة بداية من 20 فبراير ومرورا ب13 مارس و20 مارس و24 أبريل و15 ماي، تواريخ شكلت منعطفات حاسمة تحصد الحركة إلى حدود اليوم ما زرعته فيها من أجرأة للقرارات المتخذة.
فمستقبل الحركة رهين بتغيير نمط التفاعل مع المستجدات السياسية، إذ أنها كانت في السابق المبادرة في طرح الفعل السياسي ولمطلبي، وتجر الدولة والأحزاب إلى رد الفعل إما المضاد أو المؤيد أو الملتف على المطالب، لكن الأساسي هنا هم أنا المنطلق يكون من عند 20 فبراير، لكن اليوم الحركة انتقلت إلى مفعول بها تستعمل كورقة إعلامية بدرجة أولى لتصفية حسابات فئوية.
ثانيا يجب أن تقدم الحركة إن أرادت الاستمرار في تعبئة الشارع – ليس بالضرورة للاحتجاج – شعار سياسي أوحد وأشكال نضالية موحدة، يتفرع الشعار ليقدم برنامج متكامل واضح لطبيعة الدولة التي تسعى الحركة إليها، وتحدد تناقضاتها الرئيسة والثانوية دون تسفيه لعمل الأحزاب والنقابات والتي شكلت في ما مضى خزانا حقيقيا لدعم الحركة.
أما في ما يخص الشق التنظيمي، فيجل أن تبحث الحركة عن شكل تنظيمي بعيد عن الهيكلة التقليدية بحيث تذوب المسافات بين المدن والقرى التي تشكلت بها تنسيقيات محلية للحركة وتشتغل بشكل دوري ومستمر. هذا الشكل سيوفر قاعدة صلبة للموارد البشرية التي يمكن أن تعتمد عليها الحركة في مجالات عدة بحيث تنتقل الحركة من الوصف الهلامي الذي تنعت به إلى حركة متراصة واضحة من حيث الشكل، ومضمون الاشتغال.
أما بنسبة للعلاقة التي تجمع بين الحركة كذات مستقلة وباقي المكونات السياسية التي يشكل مناضلوها بقوة الواقع النواة الصلبة في العديد من المدن، يجب أن تتضح خاصة مع ما يسمى " المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير " هذا الأخير شكل عرقلة لعمل الحركة خاصة بالرباط وأصبحت خرجاته الإعلامية والمحطات التي يفرض شعارته عليها، أبرز من مبادرات الحركة، ويطرح عليه في مناسبات عدة سؤال نوعية الدعم، فتسمية الوطني بعيدة كل البعد عن العمل الذي يقوم به وبعيدة عن واقع الحال في ما يخص الدعم المعنوي، السياسي والمادي للحركة وطنيا. فكم هو عدد الملفات الذي تتبعها المجلس بخصوص المعتقلين والجرحى والمعطوبين وطنيا رغم أنه يستفيد من أشكال دعم مادي مختلفة، وما هو حجم تأثير المجلس في تقعيد فكر الحركة داخل الإطارات المشكلة له خاصة النقابية، النتيجة تلامس الصفر لذا يجب على الحركة أن تظهر ولو القليل من الاستقلالية عن الأشخاص المشكلين للمجلس بلغة الاحترام واللباقة السياسية ما أمكن، لأن أي شكل آخر غير فعل " ألتمس من سيادتكم " وبالتجربة سيجعل من مبادرين بطلب الاستقلالية خونة وعملاء، وقد فقدت الحركة الكثير جراء هذا الطلب، أي الاستقلالية.
أما في ما يخص لغة التواصل مع الإعلام، فإعادة إنتاج خطة إعلامية محكمة ستخرج 20 فبراير من دائرة التواصل والتعبئة عبر وسائط المواقع الاجتماعية والتي لا تكون واقعية لطبيعة الناشطين داخلها، بالإضافة إلى تجنب معادة وسائل الإعلام خاصة الوطنية مهما كان توجهها التحريري في تغطية محطات الحركة.
في الأخير مستقبل الحركة مرتبط بحجم التنازلات التي ستقدمها الدولة كسلطة القصر للحكومة الجديدة ومؤسساتها وكذا تطبيق الوعود التي أطلقت بالجملة قبل الاستفتاء على الدستور الجديد وكذا الانتخابات التشريعية الجديدة، فلم يعد الآن مجال آخر للدولة سواء المنتخبة أو المعينة أن تستمر في سياسة التسويف وحقن الانتظارات المختلفة للمواطن بجرعات أخرى من الانتظارية.
الدولة في حاجة إلى أشكال احتجاجية منظمة وسلمية، فالبلدات والقرى التي غاب عنها تأطير دخلت فيها الدولة وأجهزتها في مواجهة مباشرة مع المواطنين وكانت الحصيلة ثقيلة في أكثر من مناسبة. مستقبل حركة 20 فبراير أقوى حتى أن لم تكن هي قائدة التغيير.