كلما جاء شهر رمضان تتزعزع عقيدتي، وأجدني، ودون أن أدري، خارجا من البيت، بعد العصر، متوجها إلى حي الرحمة في مدينة سلا. شخص عاقل، وبعقيدة غير مزعزعة، لا يفكر أبدا في مغادرة بيته الآمن، والمغامرة بحياته في ذلك الحي، من أجل هدف غير معروف.
ورغم المخاطر والحروب والسكاكين والسيوف في حي الرحمة، أجدني دائما أختلق المبررات، لأخرج وأتوجه إلى مكان، من الصعب أن أفكر فيه في الأوقات العادية. لكني لا أتهم أحدا، فعقيدتي في شهر رمضان تتزعزع لوحدها، دون أي عامل خارجي، وهي التي تقول لي اذهب إلى حي الرحمة. أتذكر مثلا أني قلت لزوجتي في رمضان الماضي اقلي لنا سردينا، فرفضت، بدعوى أنها لا تحب رائحته ولا مذاقه، وبعد شجار وأخذ ورد، قبلت، لكن بشروط، وطلبت مني أن أشتريه أنا وأقشره وأنظفه، بينما هي ستقوم بمهمة قليه وحشوه بالشرمولة، فزعزعت زوجتي عقيدتي في التو والحين، وخرجت غاضبا في اتجاه حي الرحمة، حيث يباع السردين جاهزا ومقليا.
وأنا غاضب، فكرت أن أفطر في حي الرحمة، فالسردين معي، والحريرة تباع في كل مكان، وهناك موائد الرحمة والمحسنون، وحينها ستعرف زوجتي قيمتي في البيت، وستكف عن زعزعة عقيدتي، وحرماني من سمكي المفضل.
وبينما أنا أخطط وأختار المكان المناسب الذي سأجلس فيه، ومعي سردين في يدي، ورغيف محشو بالشحم والبصل، مرت حجارة بالقرب من رأسي، ورأيت شبابا عراة يركضون خلف بعضهم البعض، وعلى بعد خطوات من بائع السردين، كان شخص ملقى على الأرض، وينز الدم من رأسه، وهو غير مبال بما وقع له، وسرعان ما خرجت كتيبة من حاملي السكاكين والحجارة، وهرب المارة والبائعون والصائمون والمفطرون، وهربت أنا أيضا من حيث أتيت، وعدت إلى البيت، دون أن أخبر أحدا بما حدث.
ورغم ما حدث لي، فإني لم أرعو، وذلك بتأثير عقيدتي المزعزعة، التي تجرني كل يوم بعد العصر من ياقتي، وتأخذني إلى حي الرحمة، الذي يبدو معظم المتواجدين فيه تعرضوا إلى زعزعة في عقيدتهم من طرف شخص ما، لا يظهر له أثر، لكنه يزعزع عقيدة الجميع، دون أن تتمكن الشرطة من القبض عليه.
يوميا أذهب، وأعود إلى البيت قبل أذان المغرب، محملا بأشياء لا قيمة لها، أشتريها من أشخاص، يظهر أنهم يعانون مثلي من تزعزع في عقيدتهم، وإلا لما باعوا لي شمعدانا نحاسيا، ولوحة للمسيح ابن مريم، وخلاطة كهربائية وعصارة قهوة، إذ تظهر أعراض عقيدتي المزعزعة في هذا الهوس الذي ينتابني، ويجعلني أشتري كل ما لا حاجة لي به، وفي إصراري الغريب على التواجد في أماكن الخطر مع مزعزين مثلي في عقيدتهم في هذا الشهر الفضيل.
اعتقدت للوهلة الأولى أن عقيدتي تتزعزع فقط في حي الرحمة، وأني لو ذهبت إلى الرباط وغيرت وجهتي، فإن عقيدتي ستعود إلي، وهذا بالفعل ما قمت به، ويا للمفاجأة، ففي كل مكان عقيدة المغاربة مزعزعة في شهر رمضان، وفي كل مكان يتشاجرون ويضربون بعضهم البعض، ويقتتلون ويسبون ويشتمون، والكل يخرج من بيته دون هدف محدد، يخرج ليخرج فقط، وقد حدث لي مرة أن خرجت وتمشيت طويلا حتى ابتعدت عن البيت، ولما حاولت العودة، فاجأني الأذان وأنا في شارع خال من الناس، وحدي أمشي وأمشي وأتعب، ولا أصل إلى المائدة البعيدة.
وأبحث عن من زعزع عقيدتي ولا أجده، وفي كل مكان، وكل مدينة، وكل حي، هناك مغاربة يعانون من زعزعة عقيدتهم.
أركب في الحافلة وأجدها مليئة بالنشالين واللصوص بعقيدتهم المزعزة والتي تأمرهم بأن يسرقوا الهواتف والأموال
أتجول في السوق، وأرى عقيدة الباعة المتجولين مزعزعة يضربون بعضهم البعض بالميزان ورجال الشرطة غاضبون أكثر من الأوقات العادية والكبد ارتفعت عقيدتها المزعزعة إلى ثمن لا يمكن تخيله والسردين وأنواع السمك الأخرى أما البنات فتشتد شهواتهن مباشرة بعد شرب الحريرة والمراهقون يعرفون ذلك ويخرجون لاصطيادهن كأن شخصا مجهولا فك أسر الشيطان في رمضان وسواء صمنا أم لم نصم فعقيدتنا تتزعزع دائما في هذا الشهر الفضيل ويرتفع ضغطنا ونقترب من الكفر، ونقوم بأفعال غريبة. جربوا أن تصوموا وستكتشفون هذه الحقيقة المرة، وجربوا أن تفطروا وستحصلون على نفس النتيجة: وهي أن عقيدتنا تتزعزع في شهر رمضان أكثر منه في أي مناسبة أخرى. وعلى الدولة أن تقبض علينا جميعا الذين يطالبون بحرية المعتقد والذين يصومون فالمغاربة خطر على بعضهم البعض يكفرنا الجوع والعطش حتى نكاد نأكل بعضنا البعض.