منذ اليوم الأول من رمضان وأنا أرغب في تبليغ الشرطة عن عدد من البنات اللواتي لا يتوقفن عن التدخين ونفث الدخان في وجهي، فليس من المعقول أن تتركوهن يزعزعن عقيدتي هكذا، وبكل تلك الوقاحة وأنا صائم، لكني لست متأكدا من أن الأمر يتعلق فعلا بإفطار علني في عز الصوم، أم أنهن يقضين فقط أيام عادتهن الشهرية. ومازاد في رغبتي في اعتقالهن وتقديمهن للمحاكمة أني سمعت أن فتاة مسكينة شعرت بوجع في رأسها فحكموا عليها في الحين بجرم تدخين سيجارة، وهي الآن تقبع في السجن، بينما منذ سنوات وأنا أرى عددا من البنات يدخن ويلتهمن الحلوى والسوندويشات ولا أحد يحاسبهن. المشكل أني لا أعرف الوقت الذي تستغرقه العادة الشهرية، حتى أني صرت مشغولا بهذا الأمر، إلى درجة أصبحت فيها لا أنام نتيجة طول التفكير في هذا الموضوع. ليست مسألة تدخين النساء شيئا جديدا، وليس لي موقف أخلاقي مما يقمن به، فهن اللواتي سيمتن في نهاية المطاف بالسرطان ولست أنا، أما صدورهن المليئة بالنيكوتين فلم يثبت علميا أن الدخان يحول دون دخول الحب إلى قلوبهن، إلا أن ما يثيرني حقا هو شربهن للسجائر طيلة أيام رمضان، ولسذاجتي كنت أظنها العادة الشهرية. كم أنا مغفل. ليس الأمر جديدا، ففي إحدى الجرائد التي كنت أعمل بها قبل سنوات، كانت هناك مدرسة خاصة في نفس العمارة، وكانت البنات فيها يدخن بدون انقطاع منذ اليوم الأول من رمضان وإلى غاية نهايته، وقبل أن تظهر حركة مالي، وقبل أن يظهر الفيسبوك وحركة ما صايمينش، ففسرت الأمر حينها بأن الله هو الذي أحل لهن ذلك، لأن هناك أعذارا تبيح لهن الإفطار على أن يقضين ما أفطرنه من أيام أخر، ومن بين هذه الأعذار العادة الشهرية. ولأني أبعدت داعي النفاس من حساباتي مادمن لا يزلن طالبات يحملن الكراريس والأقلام ولم يتزوجن بعد، فقد قلت إنهن معذورات في الغالب، ولا يجب لومهن على أشياء أحلها لهن الدين، مبعدا سوء الظن ببنات جميلات مجتهدات يدخن المارلبورو لايت، رغم أني لا أفهم السبب الذي يجعل النساء يجمعن على المارلبورو لايت، ولا يدخن على سبيل المثال لا الحصر كمال لايت أو ونستون لايت. لكن أن يستمر تدخينهن السجائر شهرا كاملا، فهذا ما جعلني أشك في أمرهن، وأحاول أن أعرف المدة التي تستمر فيها الدورة الشهرية، لأقطع الشك باليقين، فمنذ أن ولدت لم أسمع عن نساء ينزفن طول الوقت، ولو حصل ذلك سيمتن لا محالة، وسنبقى وحدنا، نحن الرجال، لا من يحبنا، ولا من يتزوج بنا، لأن الدم غال، ويباع أيضا بالثمن الخيالي وله بنك وشباك أوتوماتيكي. في البداية خجلت من جهلي لشيء كان من الأولى أن أعلم به، لأن المرأة هي نصفنا الآخر، كما يقولون، فما معنى أن أعرف ما يجري في كل مكان في هذا العالم، بينما تفوتني معلومة بسيطة ومهمة في نفس الوقت، وبسببها صرت أعاني من أرق فظيع. حكت لي إحدى الصديقات والتي تشتغل في وكالة إشهار، أن زميلاتها في العمل يقمن بنفس الشيء ويدخن بلا انقطاع طوال رمضان وفي النهار وجهرا، ولأنها مغفلة مثلي، ظنت المسكينة أنهن في فترة الدورة الشهرية، ومع مرور الوقت اكتشفت أنهن لا يصمن، وأن ما اعتقدته أمرا يحدث لها أيضا باعتبارها امرأة، لا علاقة له بذلك الشيء وإنما هو دورة شهرية للأكل والتدخين، مفتوحة ولا حدود لها إلى يوم الدين. لقد صار هذا النوع من الفتيات موجودا بكثرة، ولا أحد يعرف أي دين يعتنقن، لكنهن كما يظهر لسن مسلمات. وفي الحقيقة أنا معجب بهن، يلبسن على الموضة، ولا يتكلمن إلا بالفرنسية، وعندما تدعوهن الحاجة إلى شتم بعضهن البعض يستعملن اللغة العربية، لأنها لغة في نظرهن لا تليق إلا بالكلام البذيء، لذلك أجدني أفضحهن هذا اليوم في موقع كود الإلكتروني المحترم، لأني متأكد أنهن لن يقرأنه، وإن حصل فلن يبالين بشخص مليء بالعقد مثلي. لقد تعودت مع الوقت عليهن، واكتشفت أنه لا أحد بإمكانه زعزعة عقيدتي، حتى لو كن فتيات جميلات، بل العكس وجدت الأمر مسليا، أمر كل يوم من أمامهن، متخليا عن فكرة التبليغ عنهن، ومصرا في نفس الوقت على سؤالهن عن عادتهن الشهرية، وأين تعلمنها، وهل يأتي يوم ستتوقف فيه. هذا النوع من البنات والأولاد صار موجودا بكثرة في المغرب، لا ينتمي لليسار السياسي ولا الملحدين ولا للعلمانيين، ولا يقرأ ما نكتب، وخطر التعرف على النساء منهن يكمن فحسب في كلفتهن الباهظة، غير ذلك هن جميلات ومتفتحات ، فلا أظن أن أحدا منا مستعد لأن يشتري لواحدة منهن علبة مارلبورو كل يوم، كما أن ربط علاقة مع واحدة منهن يلزم عليك ألا تبلغ عنها، وأن تتضامن معها لو اعتقلتها السلطة، وتتصل بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الوحيدة القادرة على الدفاع عنها، وسط أمة من المزعزعين عقديا. وبالنسبة للعادة الشهرية، وحسب المعلومات التي توصلت إليها فهي لاتدوم مدة شهر كامل، لكن الطبيعة تأخذا شكلا ثقافيا أحيانا، كما يقول أصدقائي المثقفون، ولعل تينك الفتيات من هذا النوع، وقد ساهم سلوكهن الخاص في تغيير طبيعتهمن، والله أعلم. وأخيرا ولكي لا تثور ثائرة أحد وتأتيه الغيرة الدينية، ولكي تكف السلطة عن البحث عن تلك البنات اللواتي زعزعن في الماضي قلبي، ولئلا يسألني أحد عنهن، وأين ذلك، أقول للجميع، إنهن لسن منا، ولسن مغربيات، يأتين دائما مع حلول شهر رمضان، وينزلن من المريخ، ويقضين معنا شوال، حيث لا ننتبه لأمرهن ولا لتدخينهن في الأيام العادية، وبعد ذلك يعدن إلى كوكبهن وأهلهن، وأعرف واحدة منهن أحبها صديق لي، وتزوجا وأنجبا بنينا وبنات وعاشا في سعادة وهناء، وفي عطلة الصيف من كل عام تأتي عائلتها من المريخ ويأتون بالهدايا، كما أن صديقي يزور أهلها في المريخ، دون أن يقع أي خلاف ودون أن تزعزع عقيدة صديقي، بل إنه صار معجبا بكوكبها وبسكانه ومقاهيه ونبيذه الجيد وأسواقه، المشكل الوحيد الذي ظل يؤرقه هو أنها تدخن بشراهة ولا تخشى أن تتدهور صحتها وصحة الأولاد، غير ذلك، كان يقول لي دائما، إنها أفضل من نساء كوكب الأرض.