ما معنى أن تنجب طفلة صغيرة، تكبر وتكبر، حتى تبلغ ست سنوات، وفي النهاية تتخلى عنك، وتتبع مغنيا غريب الأطوار، يلبس سروالا قصيرا ويرتدي جوارب طويلة ويتصرف كبهلوان. ما معنى أن تضطر صاغرا إلى أخذها إلى ستروماي، والمصيبة أن تجد عشرات الآلاف في مثل عمرها يتنافسن على قلب مغن لا يغري طفلة تمتلك ذرة عقل.
كل هذا التعب، وكل السهر، وكل علب الحليب والحفاظات واللعب، وفي النهاية تهددك صغيرتك بأن تأخذها إلى حفلة موازين، لتشاهد ستروماي، أو أن تبحث عن أب آخر يستحقها أكثر منك.
كنت سأقبل وأتفهمها لو كان مثيرا و وسيما. ولو لم يكن يلبس بذلك الشكل المضحك. والأدهى أنه يحرضها علي وعلى كل الآباء يقول لها أين والدك يقول لها دون أدنى خجل الكل يعرف كيف ينجب أطفالا لكن لا أحد يعرف كيف يصنع أبا ويعيرني
وهي توافق وتنتعش وترقص وتغني معه وتردد هذا الإنجيل الجديد. في زمن مضى كانت البنات يهمن في عشق جورج مايكل، وهذا مفهوم وله ألف تبرير، وما كان يحمي الآباء منه ومن سرقته لبانتهم، أنه كان بعيدا، ولم يكن هناك مهرجان موازين، بل فقط السهرات الأسبوعية ومحمد الغاوي والإدريسي، فيكتفين بصوره، يلطخن بها الجدران، وكفى المعجبات شر القتال.
وقد خاب ظنهن فيه وتخلين عنه، بعد أن اكتشفن متأخرات ميولاته المثلية، وأن خلف ذلك الرجل الوسيم واللحية المشذبة بعناية والجاكيتة الجلد وبنطلون الجينز الديلافي يكمن شخص آخر، لا يحب البنات بالضرورة.
لقد رأيت مئات الآباء يصطحبون أولادهم مضطرين ليتفرجوا على ستروماي هذا، وهو يشتمهم ويحرض فلذات أكبادههم عليهم، ويدفعون مقابل ذلك الثمن الخيالي.
وهذه أول مرة في التاريخ يحدث فيها أن يدفع والد ألف درهم أو أكثر لشخص يشتمه أمام عيني صغيره أو صغيرته، ويرضخ ويقبل بالأمر.
ورغم أني احتلت على مهرجان موازين ولم أدفع فلسا، فقد رأيت لمعة في عين طفلتي وفرحا غريبا وهو يمعن في شتمي، ويقلل من قيمتي أمامها ويشكك في كل الآباء.
ورغم أني معها دائما، فهي تشير إلي بإصبعها وترقص وتسأل أين أنت يا أبي، كما لو أنها تتهمني بالتقصير في حقها.
ما السر الكامن في هذا المغني ما هي القوة الخفية التي يؤثر بها على الصغار والكبار ما السحر الذي يتوفر عليه وأخشى حقا أن تحب طفلتي في المستقبل إنسانا آليا وأنا أحاول أن أستوعب سر ستروماي أرى قصبتان طويلتان تلبسان شورتا ورأسا يدور بمفتاح
وعينين تتحركان ببطارية دوراسيل إنه أقرب إلى كائن آلي منه إلى بشر والطامة الكبرى أنه سكران ويرتدي جوارب صفراء أيوجد شاب محترم يلبس الأصفر وقميصه مهلهل ويردد فورميدابل لا شيء فيه يثير الإعجاب والغريب أن كل الأطفال جعلوا منه نجمهم الأول وصغيرتي أصبح بالنسبة إليها أفضل مني ويوما ما ستأمرني أن أحضر إليها شابا بمواصفاته
كل هذا السهر وكل هذه الوقت المهدر وكل التعب والضجيج والصراخ وتحمل البكاء كي ينتهي بي الأمر إلى أن أجد نفسي مضطرا للاختيار بين ستروماي وسعد المجرد بين رجل آلي غريب الأطوار ولاجىء خليجي في المغرب
وقناة طيور الجنة التي تعلم الصغار دروسا في كيف تصبح إرهابيا قبل أن تبلغ سن الرشد وفي النهاية وحين انتهى حفل ستروماي
وأنا عائد رفقة صغيرتي إلى البيت، محاولا إقناعها ألا تتخلى عني وألا تأخذ كلام مغنيها المفضل على محمل الجد كان لنا لقاء جميل في الشارع وفي القطار وفي كل مكان مع جمهور الشاب بلال كانوا هم بدورهم عائدين إلى سلا وتخيلوا معي المتعة وتخيلوا المفاجآت والإثارة بعد أن تعطل القطار قبل أن يصل إلى المحطة وأنا وصغيرتي مع جمهور الشاب بلال في القطار واقفين ينظرون إلي نظرات شزراء
ويطلبون السجائر وأنا أمدها لهم شاكرا حسن اهتمامهم بي وبسجائري وأنا أشكرهم على مطالبهم المستحقة ورجعت مع جمهور الشاب بلال المسالم والوديع والطيب والرقيق والمحب للفن وطفلتي نائمة في القطار وأنا أحملها وهي تحلم بذلك المغني الغريب.
تخيلوا معي ماذا فعل في ستروماي وماذا فعلت في طفلتي وجمهور الشاب بلال وبمجرد دخولي إلى البيت شكرت الله كثيرا وصليت ورددت طويلا لا لمهرجان موازين وما زلت لحد اللحظة مصدوما وبي رعشة وكل شخص أراه أعتقد أنه من جمهور الشاب بلال وأخاف منه وقد قررت وعقدت العزم أن أجعل ابنتي تحب هاني شاكر
أو نعمان لحلو أو أي مغن آخر لا يتبعه إلا جمهور قليل ينومه في منتصف السهرة ويدفعه دفعا إلى الشخير وهو يستمع إليه ويحبه في الراديو وليس في الخارج المحفوف بالمخاطر والمفاجآت.