لا أحد يريد قتل رئيس الحكومة ولا وأد حزبه ولا تكميم أفواه نقابته ولا حجب أنشطة حركته الدعوية الإصلاح والتوحيد ولا تصنيف فصيله الطلابي كمنظمة إرهابية مثلما طالب للقصاص من فصيل البرنامج المرحلي المتهم بقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي. ما يريده المغاربة هو خطاب تصالحي يبعد نيران الفتنة التي جعلتهم ينحازون للتغيير الهادئ ويصوتون على حزب العدالة والتنمية لتحقيق برنامج طموح عرضه قادة الحزب في الحملة الانتخابية وشكل مبتغا للحالمين بالثورة على الفساد والاستبداد والظلم الطبقي والفقر الذي يستوطن هوامش المدن والقرى البعيدة.
حين تأسست هيئة الإنصاف والمصالحة , كان الهدف هو طي صفحة سوداء من تاريخ المغرب قذفت بمعارضين في غياهيب المعتقلات السرية, منهم من توفي تحت التعذيب ومنهم من فقد عقله. كان المعارضون يواجهون سلاحا فتاكا اسمه الجنرال محمد أوفقير بوجه مكشوف وبدون خوف, حتى أن أحدهم وهو المناضل أحمد بنجلون خرج الدود من رجليه دون أن تخرج كلمة اعتراف واحدة ضد رفاقه.
لذلك حين يقول رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران إنه في وسعه تقديم المزيد من الشهداء, فيجب أن يستحضر أنه لم تعد هناك قضية يموت من أجلها هؤلاء. وأن مغرب أوفقير رحل كما ولى زمن الانقلابات الدموية. ولم يعد المغاربة في حاجة لشهداء ولا لجهاد, ولكن لمن يؤمن لهم لقمة العيش. فالقتل قد ينتج أيضا عن الفقر, وكم من مغربي قتل آخر بسبب درهم أو أقل من ذلك.وكم من أسرة تيتمت لأن معيلها اغتالته أمواج المتوسط وهو في طريقه لأوروبا بحثا عما يسد به رمقها.
تلك هي مسؤولية الحكومة, أن توفر الكرامة وتحقق العدل للناس, وتضيق هامش أحزمة البؤس, وأن تمارس الجهاد الحقيقي بإيصال الغذاء للجوعى وتضميد جراح المرضى, وإنصاف ضحايا الجور, أما خطاب القتل والشهداء, فلم يفعل غير استنزاف المغرب في أبنائه الذين قضوا عقودا داخل معتقلات تازمامارات السيئة الذكر,وحين خرجوا لم يتحرروا من محبسهم حتى مع التعويضات السخية التي منحت لهم. فلم يعرفوا كيف يتصرفون في تلك الملايين, وقد قضوا سنوات يتدربون فيها فقط على مطاردة الفئران حينا وإطعامها أحيانا أخرى بعد التعب من مناجاة الذات.
لا تحتاج الأمهات لثوابيت يعود فيها أبناؤها, ولكن لطرق سالكة وآمنة للعلم والبحث. وقد رأينا كيف أن أم الحسناوي صبرت في حين "كفرو العزاية". فالسيدة وهبت ابنها لله عز وجل, بينما خرج معزون يهددون المغاربة بجنائز أخرى. وها هو المغرب الذي لم يطوي بعد ماضيه الأليم ولم يكشف عن رفاة مختفين مجهولي المصير, يراد له أن يفتح صفحة جنائزية أخرى ترسم مستقبل الأجيال المقبلة بالدم عوض الأمل في حياة ديموقراطية بعيدا عن لغة السيوف والسكاكين والسلاسل.
لكن من يفترض أن يمنحنا القدوة.. أليس هو رئيس الحكومة الذي يجب أن يأخذ على عاتقه مهمة إشاعة السلم الاجتماعي. وليس النفخ في الرماد تحت النار باستجداء حركة عشرين فبراير في كل مرة وحين.
كل خطابات بن كيران, يتردد فيها مصطلح الخوف, فهو غير خائف من المستشارين في البرلمان, ولا من شباط ولا من لشكر ولا من النقابات ولا من العاطلين, وهو أيضا غير خائف من الكائنات السابحة في ملك الله والتي لولا وجود الملك لكانت فعلت به ما فعلت. لكن خطابه المتكرر حول الخوف يفضح هواجسه الداخلية وخوفه ليس من كل هؤلاء الذين لا يشكلون في الواقع قوة ضاغطة عليه, ولكن من أن يخسر أفضل ما كان يملك..الشعبية. خصوصا أنه تلقى إنذارين في محطتي مولاي يعقوب وسيدي إيفني حين صوت الناخبون ضد حزبه..
ورغم أن بن كيران قال مجددا إنه غير خائف من نتيجة الانتخابات الجزئية, وأنه "ماشي مشكل", إلا أنه لم يستطع مع ذلك تقبل الهزيمة ولجأ للطعن فيها. لكن هل تغيرت نظرته للأشياء, أم لا زال يرى في كل ما يحدث تآمرا عليه. الجواب يختصره رئيس الحكومة في قاموس جديد لم يسبقه إليه أحد من الزعماء السياسيين. فالمعارضة " كتعيف" والإدارة فاسدة, والعاطلون مختلون عقليا, وشباط غدار , ولشكر فاسد والبام "عندو عيوب خلقية", والدولة غارقة, والصحافة كذابة, والعدل والإحسان عانس سياسيا,وغلاب طماع,والباطرونا جماعة من الحساسبية, ودوزيم معادية. فهل نقيم جنائز لكل هؤلاء حتى يحيى حزب رئيس الحكومة؟