قديما قيل التفكير نوع من الهم ولذلك هجر البدائيون التفكير المنطقي حسب ليفي برول . يصبح الهم مضاعفا وجالبا للشقيقة والصداع ان نحن اردنا ان نفكر منطقيا في ما يحدث بمغرب الدستور الجديد الذي خص رئيس الحكومة بصلاحيات واسعة، من ضمنها انه مسؤول عن قرارات وزرائه بدون استثناء.
ما حدث قبل ايام ان وزير التعليم العالي،وزير المغاربة جميعا في حكومة بن كيران حزم كل عواطفه الجياشة نحو شهيد البيجدي، المأسوف على اغتياله حقا، لتأبينه داخل مدرجات كلية الحقوق بفاس مرفوقا هذه المرة ايضا بحامي الدين،الذي لم تكفيه المأساة التي هو مسؤول اخلاقيا عنها، غير عابئين بما يمكن ان يكون لمبادرتهما هذه من تداعيات خطيرة في جو الاحتقان الذي يسود ظهر المهراز بعد الحدث الاليم، كان قرار وزير الداخلية والسلطات الامنية بفاس بمنع هذه التظاهرة تقديرا منها لخطورة الاوضاع وتجنبا لاية مزالق محتملة لم يقدر الداودي وصاحبه مآلاتها..
فهل صادق السيد رئيس الحكومة على قرار المنع؟ ان كان قد فعل فما هو قائله لشبيبته في الحركة؟ اليس في هكذا موقف تنكر لدماء القتيل الذي رحل اليه في طائرة خاصة للوقوف على دفنه هناك بقريته النائية؟ وان كان غير عالم بقرار المنع فماذا تبقى من سلطته على وزراءه؟ اليس في الامر تنازل آخر عن مساحة من سلطته الواسعة التي خوله اياها الدستور وتفنن طويلا في سلب حريات المغاربة في الاحتجاج وممارسة الاضراب وتجويع الناس والزيادات المتتالية في الاسعار وفرض الرأي الواحد في كل الحوارات "التشاورية" حول قضايا مصيرية باسم تلك الصلاحيات؟ يبدو ان الحزب الاغلبي لا يستعرض عضلاته الا على الشعب ويصيبه العجز الكامل امام اصحاب القرار الحقيقيين..
في الحقيقة لا يمكن الا ان نعبر عن اسفنا لعجز رئيس الحكومة عن مواجهة قرار احد وزارءه، لان في ذلك تنزيل غير ديموقراطي للدستور وتكريس لمفهوم وزارة السيادة، كما نأسف لمنع تظاهرة لانناقش شرعيتها وان كنا نتحفظ حول مكان تنظيمها..
كنا ومازلنا نتمنى ان يهب رئيس حكومتنا المحترم ووزراءه المحترمين لمواساة اهل كل ضحايا العنف بغض النظر عن انتماءات الضحايا وهوياتهم الاديولوجية والفكرية. فلا تحزب امام الموت ولا مشروعية للقتل مهما كان شريعتنا ومرجعياتنا ومهما بلغ الاختلاف في الرأي والانتماء بين مكونات المجتمع الذي يرنو الى الديموقراطية ويؤمن بحقوق الانسان.. ان منع سلطات فاس لوزير التعليم العالي وبرلماني واحد قادة الحزب الاغلبي يحمل اكثر من دلالة. فهو يدل أولا على غياب الانسجام داخل الحكومة، وعن اختلاف في التقدير بين وزير التعليم العالي والسلطات الامنية.وفي كل الحالات يستعصي على بن كيران اليوم ان يدعي انه رئيس حكومة حقا،او على الاقل انه لم يستطع ان يفرض سلطته على كل الوزارات كما لم يستطع ان يحافظ على صورته كرئيس حكومة المغاربة جميعا. ولعل خرجته يوم فاتح ماي الى جانب نقابته دليل ما بعده دليل ان الرجل لم يرقى لمكانته الدستورية..ومن الاسئلة الممتعة التي توحي بها هذه الخرجة هل كان يطالب نفسه بتلبية مطالب العمال المشروعة التي لم يعمل منذ اعتلائه السلطة التنفيذية الا على تقزيمها والالتفاف عليها؟ ماذا لو قرر وزير الداخلية منع تلك التظاهرة لاسباب امنية؟ ماذا لو تفرشخ رئيس الحكومة كما يحصل دوما مع المعطلين و20 فبراير؟ ماذا لو تم اعتقاله؟ ما هكذا تمثلنا مغرب ما بعد الحراك..ما هكذا تمنينا مؤسسة رئيس الحكومة..نريد مغربا ومؤسسات للجميع لا يطرد فيها وزيرا وزيرا آخر..لا يحزن فيها وزير لموت احد ويشمت لموت آخر..نريد وطنا ممتدا في حب ابناءه كل ابناءه..لاجماعة ولا امة احسن من اخرى