كتبت في مقالك "تلك المحاكمة" حول متابعة خالد عليوة، أنها "لا يمكن أن تكون غير ما يجب أن تكون، أي وسيلة لحماية المال العام والقيم الأخلاقية المرتبطة بالمسؤولية". هل تخشى أن تنحرف هذه المحاكمة في اتجاه ما؟ لا أتخوف من أي شيء ولم أذكر كلمة التخوف إطلاقا. أنا أعبر عن قناعتي بأن المحاكمة عندما يتعلق الأمر بحماية المال العام ضرورية، ويجب أن تصل إلى الإنصاف والحقيقة كاملة. بما أن قضية عليوة أصبحت قضية عامة ويتحدث عنها الناس، إما بحسن نية غيرة على المال العام أو بسوء نية نكاية في الشخص وانتمائه السياسي، فالقضاء والعدالة هي الطريق الوحيد الذي سيخرجنا من اللبس والأحكام العشوائية بخصوص هذا الموضوع. يجب أن تكون هذه المحاكمة، ويجب أن تذهب إلى أبعد ما يجب أن تذهب إليه، لأن في ذلك توضيحا للأمور ومحاربة حقيقة للفساد. أي أن هناك احتمالا لانحراف هذه المحاكمة في اتجاه غير هذا؟ استعمال قضية خالد عليوة ممكن. يمكن أن يقع هذا الاستعمال من أطراف متعددة، لكن القضاء وحده من سيقول كلمته في الأفعال المنسوبة إليه. لذلك أتمنى أن يكون حكم القضاء بمثابة نقطة نهاية لهذه الزوبعة التي تمس بطبيعة الحال خالد عليوة في شخصه، لكنها تمسه أيضا في انتمائه السياسي وارتباطه بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي ساهم في بنائه وتقلد فيه مسؤوليات. هناك من تخوف من "انتقائية العدالة" في معالجة قضايا الفساد. هل ترى أن هذه الانتقائية موجودة فعلا في حالة خالد عليوة؟ هناك خشية من أن يكون تحريك ملفات الفساد انتقائيا، لكن ليس هناك أي اتهام للقضاء بهذا الخصوص. أعتقد أن جميع المواطنين المغاربة يتمنون أن تنتهي بدعة الحملات التي يعلو صوتها أحيانا ويخفت أحيانا أخرى. إذا كان هناك إجماع وطني على أن هناك قضايا فساد كثيرة تمس المال العام وممتلكات الدولة وعلاقات الامتيازات والريع الاقتصادي، فيجب أن تعالج جميع هذه القضايا في إطار قانوني ومؤسسي بعيدا عن الحملات العشوائية والموسمية. هل ترى أن محاكمة عليوة تندرج في إطار واحدة من هذه الحملات العشوائية؟ ليس الاتحاديون فقط من يرى أن هناك حملات عشوائية وموسمية لمحاربة الفساد سرعان ما تهدأ، بل عدد كبير من المحللين والمتتبعين يعتقدون ذلك. لا ينبغي أن يفهم من هذا الكلام أنني ضدد محاكمة عليوة. أنا لا أطلب إسكات هذه القضية أو التراجع عن محاكمته. عندما يصدر حكم القضاء فيه، وإذا كان حكما بالإدانة، فأطلب ألا يفلت من العقاب، كما أطلب أن لا يفلت أحد من العقاب. لا أريد أن يتكرر ما عشناه في تاريخنا من غض الطرف عن الفاسدين سواء قبل صدور الأحكام أو بعدها، ليرحلوا بعد ذلك إلى مكان ما يتمتعون بتقاعد ذهبي على شواطئ قد تكون قريبة أو بعيدة من بلادنا. كما لا أطلب أن يتم التفاوض مع مختلسين كما حدث في مرات سابقة، ولا أستسيغ بتاتا أن ينزل حزب ما للشارع لينقذ أحد أعضائه حينما يكون متابعا أمام القضاء في قضايا فساد. هذه كلها أشياء يجب أن تختفي من دولة الحق والقانون. هل تقصد حزب العدالة والتنمية الذي نزل إلى الشارع للتضامن مع عضو أمانته العامة جامع معتصم لما كان معتقلا؟ أنا أتكلم بصفة عامة. تحدثت عن سقوط "المشروع المضمر" بفشل خالد عليوة في مشروعه المعلن بالفوز برئاسة مجلس مدينة الدارالبيضاء سنة 2003. ماذا كان هذا المشروع المضمر؟ ما أردت قوله ببساطة، هو أن خالد عليوة ربما ما كان ليسقط في المستنقع الذي سقط فيه لو أننا نجحنا حينئذ في استعادة الدارالبيضاء كقلعة عمالية ويسارية. ربما، أقول ربما، كان مساره السياسي سيتطور بطريقة مختلفة عما آل إليه. ربما لم يكن ليغادر حكومة إدريس جطو سنتين بعد ذلك. ربما أصبح له شأن في مؤتمر الاتحاد الذي انعقد بعدها، وربما أنه كان سيكون في وضع أكثر أهمية داخل الحزب. هل فشل ذلك المشروع بسبب عجز الاتحاد في إقناع الناخبين أم بسبب وقوف أطرف خارج وداخل الحزب في وجهه؟ أرجو ألا تخلط الأمور، فهذا موضوع آخر. الحزب انخرط في رهان كبير على مدينة الدارالبيضاء، غير أن تعقيدات كثيرة بضعها سياسي وبعضها كان مرتبطا بالوضع التنظيمي للحزب نفسه، حالت دون نجاح هذا الرهان، ودون حصول الاتحاد الاشتراكي على رئاسة مجلس مدينة الدارالبيضاء. ما يجب أن أؤكد عليه هو أنني حاولت أن أرسم المسار السياسي لخالد عيلوة في المقال الذي نشرته حوله، لأضع على الاتحاديين سؤال لماذا حدث ما حدث؟ لماذا حصل أن مناضلا ساهم في بناء الاتحاد الاشتراكي في تاريخه الحديث ينتهي متهما في قضية فساد؟ فهذه قضية لا يمكن إلا أن تساءل جميع المثفقفين والمناضلين اليساريين. المسألة الثانية التي ينبغي التأكيد عليها، هي أنني رغم إثارتي للوضع المؤلم لهذه القضيةّ، فقد ذكرت أيضا المؤاخذات التي يتابع عليوة بسببها. هناك أمور لا يمكن أن يقبل المناضلون والمواطنون حدوثها على الإطلاق، وهذا مهم جدا حتى لا يفهم أن إثارتي لموضوع عليوة هي نوع من التضامن الأعمى.