فجأة نطت كلمة الاستقرار إلى واجهة خطاب حزب العدالة والتنمية خلال الأيام القليلة الماضية. فقد رددها رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران في ملتقى شبيبة الحزب في الدارالبيضاء, وحرص القيادي في الحزب عبد الله بوانو على ذكرها قائلا في نفس الملتقى إن "الاستقرار هو رأسمالنا كمغاربة وينبغي أن نضحي بكل ما نملك للحفاظ عليه". ولعل بوانو الذي أمضى نهاية الأسبوع في فندق مازاغان الفخم في الجديدة استوعب جيدا معنى الاستجمام في ظل الاستقرار, خصوصا إذا استحضر هجمات السلفيين على السياح في تونس. وبالقدر نفسه, انبرى وزير الخارجية سعد الدين العثماني للدفاع عن الاستقرار في الملتقى ذاته "فالأمن والاستقرار ببلدنا هي نعم في هذا العصر..ولا يعرف قيمتها إلا من فقدها". والعثماني محق تماما, فالتوجه نحو البقال في سوريا مثلا مغامرة محفوفة بالمخاطر,وقد فقدت أم طفلها الوحيد بعدما سعت لتلبية رغبته الجامحة في تناول بعض اللحم, لكن القناصة كانوا أسرع منها وانتزعوا روحه حتى قبل أن تغادر باب بيتها.
لكن كلمة استقرار لا تجد لها مكانا في زحمة التلاسن اليومي بين الحزب الحاكم ومعارضيه إلا حين "تتوتر" العلاقة بين رئيس الحكومة والقصر, أو حين تتدهور الأوضاع الأمنية في دول الربيع العربي.
وحين يكون الأمر مرتبطا بما يحدث في بلاد الربيع العربي من توترات, فإن بن كيران يشير إلى أن المغرب يستمد استقراره الأمني من العقيدة الإسلامية والخلفية التربوية, كما قال بداية العام الجاري, أما حين تنقطع حبال الود بينه وبين القصر ,فإن خطابه يأخذ نبرة مختلفة, كما فعل خلال الملتقى التاسع لشبيبة حزبه, إذ أكد أن الملكية هي أساس راسخ وركن من أسس قيادة هذه الدولة, كما استحضر اللحظات العصيبة التي مر منها حزبه, بعد انتقاد الملك المباشر لحكومته في مسألة التعاطي مع التعليم, إذ قال " لولا أن الملك تدخل ورفض حل حزب العدالة والتنمية بعد 16 ماي لن نكون هنا، وشكرا للملك". والملاحظ أنه منذ بداية شهر الصيام وبن كيران يتحدث عن أهمية استقرار المغرب,وهي فترة أعقبت انهيار التحالف الحكومي, واضطرار رئيس الحكومة لترميم أغلبيته مع حزب "الأحرار" الذي ظل يكيل له التهم تارة بالفساد وتارة أخرى بالانحياز ل"الفلول". لكن بن كيران لم يجد بدا من ترك قناعاته جانبا والتحالف مع "الفلول" إنقاذا لما تبقى من عهدته الحكومية.
لذلك فالحديث المتواتر عن الاستقرار يراد أن يغيب النقاش المفترض حول "التنازلات" التي يعد الحزب الحاكم لاتخاذها في سبيل تشكيل نسخة جديدة من الحكومة ستخرج إلى الوجود على الأرجح منتصف هذا الشهر. إذ يتعذر على بن كيران تبرير تحالفه مع زعيم حزب " مافيدوش" و"ماشي راجل" مهما قدم من تفسيرات تبدأ بمصلحة الحزب وتنتهي بالإصلاح في ظل الاستقرار.مع أن حزب العدالة والتنمية لو اعتمد الشفافية مع الشعب لكان تفهم "لجوءه الاضطراي" إلى الاستظلال بالأحرار لمواجهة صحراء الغضب التي يجتازها منذ سحب حميد شباط وزراء حزبه من الائتلاف الحكومي. لكن الاستظلال بسحابة الأحرار لن يحمي بن كيران ولا حزبه من حرارة المفاجأة في صناديق الاقتراع.فكيف سيفسر مرشحو العدالة والتنمية للناخبين أن زعيم حزبهم بن كيران وصف زعيم "الأحرار " صلاح الدين مزوار بأنه "مافيدوش" ,ثم يعود ليؤكد أن علاقته مع "الأحرار على أحسن ما يكون.
والحقيقية أن الاستقرار الذي ينشده المغاربة,طبعا بعد استقرار جيوبهم وضمان أمنهم في الشوارع المظلمة, وبينها حي رئيس الحكومة هو استقرار مواقف حزب العدالة والتنمية قبل البحث عن استقرار المغرب. فالملاحظ أن البلد مستقر رغم أن الحكومة معطلة منذ أربعة أشهر ورئيسها في عطلة.
والمفارقة أنه في ظل التشبث المعلن بالاستقرار, طلب بن كيران من شبيبة حزبه أن يعضوا بالنواجد على الملكية, وأن يدافعوا عنها بإخلاص, منهيا كلامه بالقول" أنا غادي نقول ليكم أنا مع الملكية, ويوقع لي يوقع", لم يقع شيء باستثناء أن شبيبة الحزب كان لها رأي مخالف أسمعته غداة مرور بن كيران من منصتها بأن هاجمت إمارة المؤمنين, حتى أن متدخلا تساءل عن دور الملك على رأس المجلس العلمي الأعلى.