"يا ربي السلامه شوف شحال كثرو هاد عوَازّا الافارقة بالرباط"، بهذه العبارات العنصرية المسمومة، وصف سائق طاكسي صغير بحي المحيط بمدينة الرباط، مشهد تجمع ليلي في أحد أركان الحي لبعض الشباب القادمين من الساحل جنوب الصحراء. أمسكت أعصابي وحاولت في دردشتي القصيرة ان اقنع سائق الطاكسي أننا نحن المغاربة لسنا أمريكيون ولا أوربيون، بل أفارقة وأبناء هذه القارة أيضا. فذكرته بداية بدرس في الجغرافيا يقول "أن المغرب يقع في الشمال الغربي لقارة اسمها افريقيا". ردة فعل "الشيفور" كانت مرتبكة هذه المرة فحاول ان يبرر وصفه لهؤلاء الشباب بعوازا والافارقة قائلا" راه كاحلين وحْنا لاّ داكشي علاش تنقولو لهم عوازّا وافارقة"، فكان ردي:" نحن المغاربة أيضا بيننا مواطنون سود منتشرين منذ القدم في كل قرى ومدن المغرب.
ولكي اعزز كلامي بذاكرة النجاح للسود المغاربة، استحضرت في هذه اللحظة اسماء نجوم مغاربة في الرياضة والفن من المشاهير الذين رفعوا راية الوطن عالية في محافل دولية، وهنا استحضرت في دردشتي مع سائق الطاكسي، الجوهرة السوداء "العربي بنمبارك" ولاعب المنتخب الوطني في مونديال 1986 "كريمو"
السائق تمسك برأيه وبدا عليه بعض التشنج، وهنا لجأ الى لغة التشكيك في نوايا قدوم هؤلاء الشباب لأرض المملكة قائلا" راه تيبعو الشراب وتيتعداو على الناس وتيطلبو وكيديو لخدامي للمغاربة" متسائلا صاحب الطاكسي الأزرق:" واش احنا خاصنا المجرمين باش يتتزادو علينا هاد الأفارقة".
لجوء هذا المواطن لأحكام القيمة المسبقة، لتبرير عنصريته ورفضه للأخر ليس بالمفاجئ، فأسس الفكر العنصري في كل دول العالم هو الخوف من الأخر والمجهول والحيطة والحذر من الذي لا نعرفه، وإلصاق تهم الجريمة والتسول بالضعيف في بالنية الاجتماعية. فالعجز الانساني عن تقبل الأخر ليس وليد الثقاقة الشعبية للمغاربة، بل له جذور تاريخية في عقلية الانسان الرافضة لكل جديد عليه، ثقافي او سياسي او إثني او حتى على مستوى اللباس وشكل قصة الشعر.
فالتهم المجانية التي وصف بها السائق عموم شباب جنوب الصحراء، تعود بالأساس الى الدعايات الإعلامية الرسمية العنصرية، فمنذ سنوات والقنوات التلفزية المغربية، تبث برامج حول عصابات إجرامية قادمة من جنوب الصحراء، في اختزال واضح لمعالجة ظاهرة الاجرام وربطها بشكل سطحي بشبان قادمين من الساحل الافريقي. كما تخللت برامج الافطار في رمضان والتي تعرف نسبة مشاهدة واسعة، عبارات عنصرية واضحة، في غياب تام للمسؤولين عن مراقبة المنتوج التلفزي.
وفي حواري دائما مع الشيفور ذكرته بأننا شعب مهاجر، واموال المهاجرين المغاربة، تشكل ثاني مدخول للاقتصاد الوطني، وان هناك 5 ملايين مهاجر مغربي بمختلف دول العالم، وبأن المغاربة المقيمين باوربا يتعرضون لنفس أشكال التمييز العنصري التي يمارسها المغاربة في حق السود من جنوب الصحراء، والعجيب بنفس المبررات الواهية التي سردها السائق.
العنف اللفظي اتجاه السود تحول الى عنف جسدي، البارحة تم تشييع جنازة مهاجر "سينغالي"، اردته طعنة غدر عنصرية قتيلا، بسبب خلاف بسيط مع مواطن مغربي على حجز مكان في حافلة نقل.
أصدقاء ومعارف الراحل "اسماعيلا"، اصيبوا بحالة هيستريا من البكاء، بسبب هول الصدمة من أن تصل الكراهية والحقد الاعمى والعنصرية المقيتة للقتل. الجنازة المهيبة للرحيل حضرتها الجالية السينغالية بالرباط وبعض نشطاء حقوق الانسان، وذلك في غياب تام للاعلام العمومي.
حادثة قتل "اسماعيلا" يجب أن لا تمر في صمت، وعلى الدولة والمجتمع المدني والاعلام، أن يطرح في أقرب وقت نقاشا عموميا حول كارثة إسمها الجهل والعنصرية، وذلك من أجل سن قوانين تعاقب على كل أشكال التمييز العنصري، مع رفق التقنين بحملات توعية في أوساط عموم من الناس، من خلال المدرسة والإعلام، لاننا أصبحنا نخجل من جهلنا وعنصريتنا.