سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحمد بن الصديق الذي خلع بيعة محمد السادس ل"كود": الفساد أصبح قيمة أكبر من كل المؤسسات والقوى والقيم الأخرى! وهذا ما أجابني به الملك وهذا ما اغراني به البي جي دي
لكن خلع البيعة، وقبل ذلك توجه هذا المواطن إلى الملك طلبا للإنصاف، يسائل في العمق جدوى مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع. كيف عجزت مؤسسات الدولة في الإدارة والقضاء والبرلمان والحكومة، قبل وبعد دستور 2011، عن النظر في قضية مواطن يعرض ملفين موثقين لما يعتبره فسادا؟ وكيف عجزت منظمات المجتمع ممثلة في الأحزاب السياسية عن استيعاب وحماية هذا المواطن، بينما الشعار الجامع لأغلب هذه الأحزاب هو بالذات محاربة الفساد؟ من هذه الزاوية، يعيد موقع "كود" طرح قضية المهندس أحمد بن الصديق، في هذا الحوار.
"الإدارة لفقت لي تهمة عدم احترام الملك وتجاهلت المخاطر المحدقة بالمواطنين"
في يوليو من سنة 2005 عين أحمد بن الصديق مديرا عاما لشركة "سوطيرمي" التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، والمشرفة على تسيير حامة مولاي يعقوب. بعدها سيكتشف أن الطبيب المعالج بهذه الحامة لا يتوفر على رخصة لممارسة مهنة الطب، وأن إحدى بنايتي الحامة مهددة بالانهيار، وهي الفرضية التي أكدتها خبرة تقنية لمكتب "صوكوطيك" وعززتها خبرة ثانية للمختبر العمومي للدراسات والتجارب. اختار بن الصديق تغيير هذا الوضع وبدأت معركته على مستوى إدارة صندوق الإيداع والتدبير. فكانت بداية متاعبه كما يقول في حواره مع "كود":
"طلبت مني إدارة صندوق الإيداع والتدبير بكل بساطة إلغاء الدراسة التقنية التي تؤكد تعرض البناية لخطر الانهيار، بعدما رفضتُ ذلك تم إعفائي من منصب المدير العام لشركة "سوطرمي". بعد أيام كان لي لقاء مع علي هراج الكاتب العام للصندوق وخالد العرايشي مدير ديوان المدير العام، ليخبراني بأن هناك أوامر من مصطفى الباكوي مدير الصندوق آنئذ، بأن يعثروا لي على منصبا آخر مديرا لشركة أخرى من الشركات التابعة للصندوق، و أنه علي أن أطوي صفحة مولاي يعقوب.
لم يتحرك شيء فأرسلت تقريرا مفصلا إلى المدير العام مصطفى الباكوري يوم 5 شتنبر 2006 فكان رد الفعل تجاهل التقرير من جهة و تجاهل المخاطر المحدقة بالمواطنين، ومن جهة أخرى يوم 15 شتنبر تلفيق تهمة غريبة لي هي عدم احترام الملك، خلال زيارة قام بها للحامة يومي 15 و 16 فبراير 2006 وذلك للضغط علي كي أستقيل وأغادر المؤسسة وذلك ما حدث. بعدها بدأت عملية تدمير مشروع إعادة تأهيل الحامة الذي كنت بدأت أشتغل عليه مع كلية الطب بفاس على الخصوص، والذي وافقت عليه الإدارة من قبل كما وافق عليه الملك."
"القضاء يصدر حكمه في قضية أنا طرفها دون أن يستمع إليḷ"
فشل محاولة بن الصديق لتغيير ما يعتبره اختلالات في الشركة التي تحمل مسؤوليتها على مستوى الإدارة الأم أي صندوق الإيداع والتدبير، دفعه للجوء إلى القضاء. تجربة يقول عنها:
"لم ألجأ إلى القضاء في مواجهة CDG في قضية مغادرة منصبي بعد الضغوط التي مورست علي، بل لجأت إليه فقط بطلب إجراء بحث عن قضيتي البناية المهددة بالسقوط وعن الطبيب بدون رخصة حيث راسلت المجلس الأعلى في الموضوع. أحال المجلس الأعلى الطلب على محكمة فاس التي أحالته على الدرك الملكي بمولاي يعقوب، فكانت نتائج التحقيق أن "وثائق الطبيب قانونية"، بينما لم يتضمن أي خلاصة حول موضوع الخبرة التقنية المحذرة من انهيار بناية الحامة.
لكن الغريب في الأمر أن بحث الدرك تم دون أن يتم الاستماع إلي و النظر إلى الوثائق رغم أنني صاحب الشكاية ومدير عام الشركة المعنية بالموضوع."
"الوزير الأول يتملص من الجواب"
لجأ بن الصديق إلى مؤسسات عديدة منها القصر الملكي كما راسل عباس الفاسي، الوزير الأول آنذاك بتاريخ 5 ماي 2008 مستعرضا الاختلالات التي وقف عليها ومذكرا أيضا تفاعلات قضية فاس 1200 سنة.
" لم يرد عباس الفاسي على رسالتي، وحين التقيته بعد ذلك صدفة ذكرته بقضيتي، فرد علي قائلا إن أفضل ما يمكن أن أقوم به هو أن أرفع دعوى على الدولة، رغم اعترافه أنه توصل بمراسلتي إلا أنه لم يملك الشجاعة لتحمل مسؤوليته في معالجة القضية. مع العلم أن الوزارة الأولى ممثلة في مجلس مراقبة CDG"
"لا فائدة ترجى من الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة"
بعد إحداث الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة، وجد بن الصديق فرصة جديدة لمحاولة معالجة ما يعتبرها اختلالات، بالتوجه لهذه المؤسسة. لكن أمله خاب مجددا:
"كانت تجربة لا فائدة فيها. الفضيحة أن رئيسها عبد السلام أبودرار كان طرفا في الملف لأنه عندما كنت أنا مديرا لشركة "صوطرمي" المشرفة على حامة مولاي يعقوب كان هو كاتبا عاما لCDG (وقد خلفه علي الهراج في المنصب). أبودرار هو الذي اقترح فكرة الخبرة الثانية على البناية من طرف مختبر LPEE وذلك يوم 7 مارس 2006 خلال انعقاد مجلس إدارة شركة صوطرمي برآسة والي فاس بولمان محمد الغرابي.
لكن أبودرار عندما أصبح رئيسا للهيأة تنكر لي، وعندما راسلته يوم 15 شتنبر 2008 لم يجبن، وعندما التقيته بعد ذلك اعترف أن الديوان الملكي طلب منه عدم تناول الملف، وهذا ما كتبته في رسالتي للملك. أبودرار تملص من تحمل مسؤولياته."
"الملك أجابني بالصمت"
في 5 يوليوز 2010 أخذت قضية بن الصديق بعدا جديدا واهتماما إعلاميا، بعدما وجه بصددها رسالة إلى الملك، خاصة وأنها انضافت إلى قضية أخرى أكثر غرابة. ثار بن الصديق على ثقافة التلميح والحديث عن "جهات" دون تسميتها، كما تقضي بذلك الأعراف المتدوالة في مثل هذه الحالات، فذكر الأسماء والشهادات والتواريخ والوقائع...
"ذكرت الملك في رسالتي بأنني استنجدت بعدله بعد صمت المؤسسات، كما ذكرت القضية الثانية التي أصبحت معروفة، إذ عينني الملك مديرا تنفيذيا لمشروع الاحتفال بذكرى مرور 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس، بعدما رفعت إليه هذا المشروع.
لكن سعد الكتاني، الذي عينه مندوبا ساميا للمشروع، لم يستسغ حرصي على احترام مساطر الصفقات فاستفرد بالمشروع هو ومن يسانده للاستحواذ على ميزانية 350 مليون درهم، فتخلص مني دون أن يكون له أي سند قانوني في ذلك.
ذكرت الملك أنني أتوجه إليه بصدد هذه القضية، أيضا، بعد "انسحاب المؤسسات وإحجام القضاء". لكن الملك أجابني بالصمت، صمت عن الفساد ورفض تحمل مسؤولياته. لقد تبين أن التعيين الملكي لا يصمد أمام نفوذ الماجيدي الذي دخل على الخط عبر مدير تنفيذي مزيف قادم من مؤسسة أونا، محمد شهيد السلاوي، فرضه الماجيدي على الكتاني.
بعد تفكير عميق دام شهورا، وبعدما لم يصدر أي رد فعل عن رسالتي للملك، ولا حتى أي تكذيب لأي من الوقائع والتصريحات التي ذكرتها فيها، قررت أن أعبر بشكل رمزي عن الاحتجاج على رفض الظلم والصمت على الفساد.
رفض الظلم كان هو السبب الرئيسي لما أقدمت عليه حين نشرت رسالة 26 يوليوز 2011 أعلن فيها خلع بيعتي للملك. الصمت على تقارير رسمية تثبت أن أرواحا بشرية مهددة في حامة مولاي يعقوب، ولا يجب أن ننسى أن هذا الخطر ما يزال مستمرا إلى يومنا هذا، ثم الصمت على قرصنة الأفكار، والصمت تحويل مشروع ثقافي و حضاري إلى مهرجان للسخافة و نهب المال العام .
"السلطة ترد على بن الصديق بالترهيب والترغيب"
بعد الضجة الإعلامية التي أثارتها خطوة بن الصديق، كان رد فعل السلطات حصار بيته وتخويفه وتخويف الأسرة والجيران، ثم فتحت بعد قناة غير رسمية للتواصل معه. تجربة يرويها بن الصديق كما يلي:
" حوالي 48 ساعة بعد نشر رسالة خلع البيعة طوقت عناصر أمنية بالزي المدني الإقامة حيث أقطن بالدار البيضاء. تلقيت زيارة تضامنية من نشطاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وشخصيات حقوقية مثل عبد الله زعزاع وسيون أسيدون وعبد الله أباعقيل وآخرين. كما أتذكر أن الحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني حاليا، أدلى بتصريح صحافي يحتج فيه على الملاحقات الأمنية ضدي.
لكنني أعتبر على الخصوص أنني مدين بحياتي لحركة 20 فبراير ولكل من تضامن معي، فأنا لست متيقنا أنني كنت سأبقى على قيد الحياة بعدما أعلنت خلع بيعتي للملك، لولا سياق احتجاجات حركة 20 فبراير آنذاك.
بعد 15 يوما من الرسالة توقف الحصار والملاحقات الأمنية المباشرة. أحد معارفي أخبرني أن العربي مريد، المفتش العام للإدارة الترابية بوزارة الداخلية آنئذ، يريد لقائي. رحبت بالدعوة والتقينا فعلا في بيت هذا الوسيط وكان مع مريد مسؤول من الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني يدعى بنحدو.
كان لقاء غير رسمي استمر لأزيد من 4 ساعات على مائدة الإفطار في أحد أيام شهر رمضان، وأخبراني أنهما مكلفان بلقائي بأمر من وزير الداخلية الطيب الشرقاوي. ظل أحدهما يطرح الأسئلة ويعبر عن وجهة نظره، بينما بقي الآخر يسجل ما يقال طيلة الاجتماع.
من الأسئلة التي أتذكر أنها أثارتني: هل كتبت رسالة خلع البيعة بمفردي. أجبت مؤكدا، واستبقت نافيا أن تكون لي أي علاقة بأي جهة سياسية معارضة داخل أو خارج المغرب. أكثر من ذلك قلت لهما إنني أتألم حين أشاهد كيف تلقف إعلام الجزائر و البوليزاريو رسالتي ووظفها ضد المغرب، لكن صمتكم ضد الفساد هو الذي أوصلني لهذه الدرجة.
حاول أحدهما تنبيهي لخطورة ما أقدمت عليه وخطورة المس بالملك، ودعاني إلى نشر رسالة جديدة أعلن فيها تراجعي عن خلع البيعة. قلت لهم إن لدي مصداقية أحرص عليها والناس يحترمونني. وأن ليس لي أي مشكل إطلاقا مع الملك كشخص، ولكنني أصر على الشفافية وعلى محاسبة المسؤولين عن كل الاختلالات التي وقفت عليها مهما كان قربهم من الملك، وعن تلفيق التهم الباطلة وخاصة الباكوري (تهمة المس بالملك سنة 2006)، وأنا مستعد أيضا للمحاسبة إن ثبت في حقي أي إخلال بالمسؤولية.
في ختام الاجتماع أخبراني أنهما سيبلغان ما قلت، ولمح إلي أحدهما قائلا "لنفرض أن هذا المشكل انتهى، في أي منصب ترى نفسك؟" فأجبت على الفور مازحا "في الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة. إن كنتم حقا تريدون محاربة الفساد فأنا جاهز !" فغادر الرجلان في صمت."
"الشوباني عرض علي عضوية الأمانة العامة للعدالة والتنمية مقابل التراجع عن خلع البيعة"
توجه بن الصديق مجددا إلى السلطة التنفيذية بعد تولي حزب العدالة والتنمية قيادتها خاصة وأن أعضاء قياديين في هذا الحزب سبق لهم أن تضامنوا معه حين كانوا في المعارضة. لكن أمله خاب مرة أخرى كما يقول:
"لقد تغير موقفهم وخاصة الشوباني وبوليف الذي سبق وصرح بعد نشر الرسالة: إذا لم يُنصف ابن الصديق فلا معنى لدستور 2011 والمغاربة يقفون على الأعمال و ليس الأقوال. عندما أصبح وزيرا التقيته ثلاث مرات ولكنه تملص مما صرح به من قبل وأصبح يراوغ.
رئيس الحكومة لم يرد على أي من مراسلاتي له. أما الوزير الرميد كان قد طرح بتاريخ 22 ماي 2008 سؤالا كتابيا داخل البرلمان على الوزير الأول متعلقا بالقضية ويطالبه بإنصافي. وعندما أصبح وزيرا تنكر لي أيضا، وقد التقيته مؤخرا وقدمت له تعزية رمزية في وفاة المناضل الرميد.
الخلاصة أنهم يستغلون الملفات في المعارضة وخلال الحملة الانتخابية وعندما يصبحون في موقع القرار أو على الأقل المسؤولية، يتنكرون لك لأن القضية هنا تمس فسادا يتورط فيه أفراد مقربون من الملك وصمت عنه الملك.
مع العلم أنني رفضت عرضا قدمه إلي الشوباني في لقاء لي معه بمكتبه يوم 7 مارس 2012، عرض علي أن أتراجع عن خلع البيعة، مقابل أن أصبح عضوا في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.
على كل حال فأنا لن أسكت ولن أكف عن ملاحقة المسؤولين، رغم المراقبة المخابراتية والأساليب الخسيسة الأخرى مثل التهديدات بالقتل عبر الفيسبوك، ومقالات القدح على بعض المواقع الرقمية الصفراء."
"العبث بعينه أن يقول لي برلمانيون بشكل غير رسمي ما لا يقولونه علنا"
بعد انتخابات 2011 لجأ بن الصديق أيضا إلى المؤسسة التشريعية، في محاولة جديدة لإعادة طرح موضوع مولاي يعقوب.
"منذ تأسيسها كان للجنة التضامن وكشف الحقيقة في قضيتي، لقاء مع فريق العدالة والتنمية برئاسة عبد الله بوانو يوم 05/03/2013 و لقاء آخر يوم 25/04/2013 مع رئيس فريق التقدم الديمقراطي رشيد ركبان وأخيرا مع بعض أعضاء الفريق الاشتراكي بمبادرة من النائب حسن طارق يوم 27/05/2013 وقد توفي شخص مسن يوم 26 أبريل الماضي في مولاي يعقوب بسبب الإهمال الطبي.
لحد الآن، وحده حسن طارق قام بطرح سؤال كتابي على رئيس الحكومة بتاريخ 09/07/2013 أما فريق العدالة والتنمية فما يزال يلتزم الصمت، رغم أن أعضاءه يعبرون بصفة غير رسمية عن استنكارهم لهذا الفساد وهذا الظلم، وهذا الازدواج في المواقف هو العبث بعينه.
يمكنني أن أقول اليوم إن الدولة بأجهزتها عندنا خاضعة للسلطة أي الملك ومقربيه وهي دولة أفراد وليست دولة مؤسسات، ودولة مزاج وليست دولة الحق والقانون، وهذا ما لم يتغير مع ما يسمى الدستور الجديد. أي أن الفساد كمفهوم وكقيمة إن صح هذا التعبير الغريب، أصبح أكبر من كل المؤسسات وكل القوى وكل القيم الأخرى وصار هو الأساس."