سيمد يده مرغما رئيس الحكومة وأمين عام الحزب المتصدر للانتخابات السابقة لأوانها في 25 نونبر، لحزب التجمع الوطني الأحرار، من أجل أن ينقد غرق حكومته، التي فقدت أغلبيتها، بعد تقديم وزراء الاستقلال لاستقالتهم، نتيجة رفض بنكيران لضغوطات حميد شباط، الذي كان يطالب باستوزار من عبد الطريق له لرئاسة الحزب، في مؤتمر الاستقلال الأخير من أجل حماية مصالحهم. اللجوء الى الضغط من داخل حكومة بنكيران عن طريق شباط، جاء بعيد تعرض الحكومة لضغوطات خارجية عليها من طرف ما أسماهم زعيم حزب لامبة ب "التماسيح والعفاريت"، في قلة شجاعة سياسية غيرمتوقعة من بنكيران.
وقدم بنكيران من خلال هذه العرقلة وأحيانا "البلوكاج" السياسي، مجموعة من التنازلات، لإبداء حسن النية، أنه يريد التعاون مع الجميع، وذهب في تبني نظرية حامل أسراره عبد الله باها من خلال منطق " التطبيع مع القصر هو الهدف في الولاية الأولى من أجل التمكين في الولاية الثانية".
و اهم التنازلات التي قدمها بنكيران هو حين رفع شعار "عفا الله عما سلف"، أي ان السيد بنكيران بدون الرجوع الى الرأي العام او البرلمان، أصدر العفو العام، عن كل من ساهم في الاستبداد والفساد، في السنوات السابقة، وهذا طبعا ضد منطق الشارع الذي كانت أهم مطالبه هي محاسبة المفسدين والقطع مع اقتصاد الريع وعزل من تورطوا في تعذيب المواطنين وتقديمهم للمحاكمة العادلة.
بنكيران كان يعتقد بتبنيه لأطروحة العفو العام الشامل بدون حتى اعتراف هؤلاء بجرائهم، سيكون صمام الأمان لحكومته وضامن استمراريتا، وسيقوي من تماسكها، وسيجعلها تذهب بكل أريحية لاستكمال ولايتها، متناسيا أن من يعيش على الفساد، لا يمكن في ظل غياب العقاب والقانون الجزري والقضاء الذي يخيفه، سيحاول دائما الاستمرار في ممارسته لنهب المال وان لم يستطع، فسيطلب برأس من يقف أمامه.
كما ان هذه الخطوة السياسية المتهورة، التي اتخدها بنكيران من أجل عدم فتح جبهات ضده في الدولة المخزنية العتيقة، عجلت بغضب الشارع من حكومته، وكانت احدى الضربات القوية التي تلقته حكومته منذ تنصيبها الى اليوم، خصوصا أن بنكيران، اعتمد في كل طوافه الانتخابي على شعار "محاربة الفساد والمفدسين".
ونظرا لكل الأرقام الصادرة من منظمات محلية ودولية، والتي تشير الى التضرر الكبير الذي سببه الفساد للاقتصاد الوطني، بالإضافة أن المواطن يعيش بشكل يومي ويقف على كل أشكال الفساد المستشرية في قطاعات كثيرة، تجعل من بنكيران في ورطة حقيقية مع شعب الناخبين.
ما بعد العفو عن الفساد، يتجه بنكيران الأن الى التطبيع مع الفساد، من خلال مد يده لحزب، زعيمه صلاح الدين مزوار متهم في قضية تبادل "الغنائم" مع خازن المملكة بنسودة. وهذه تسمى عملية تبيض وجه الفساد، من أجل دفع ثمن ترقيع الأغلبية الحكومية، مما سيضعف حكومة بنكيران أكثر وسيفقدها مصداقيتها بشكل أسرع، خاصة أنها عفت في وقت سابق على المفسدين بشكل انفرادي بدون الرجوع الى الاستشارة الشعبية، وهاهي الان تغامر بخطوة تقوية أغلبيتها بحزب، زعيمه متهم في قضية فساد واضحة، وهذا سيجعلها ليست فقط حكومة لم تقم ولو بخطوة واحدة لمحاربة الفساد، بل حكومة تحمي المفسدين عبر استوزراهم او منحهم رئاسة مجلس النواب، وهذا طبعا سيعجل بذوبان ما تبقى من مصداقية حكومة بنكيران، كما سيمكن كل المتضررين من الحكومة، من لوبيات الريع ومحيط الظل المخزني من الاطمئنان في ظل هذه الحكومة، بل التغول عليها والاستمرار في ممارستها المبنية على "الفساد والاستبداد"، لحماية مصالحها.