في تأمل فعل اغتصاب الأطفال، يهطل بدواخلنا مطر البشاعة، غرابة السلوك، ولا إنسانيته، وكونه غير إنساني لا يعني بالضرورة أنه سلوك ينتمي إلى عالم الحيوان، لم يسبق للبشرية أن راقبت فيلا يهم بدغفل، ولا كلب أو أسد يهم بجرو أو شبل... وحده الإنسان، وهو يتملك جزءه الأسود من العقل، من يفكر بهذا النحو الشاذ، أن يختار لإشباع نزوته، من هو صغير وضعيف من بني جنسه... العقل والاغتصاب في ترابط عضوي، ما هو حيواني هو بالضرورة نبيل لأنه صادر عن شهوة البقاء، وفي تبصر للندية المفترضة في تلبية هذه الشهوة... لذا، فلنكف عن توصيف فعل الاغتصاب بأنه سلوك حيواني... الاغتصاب فعل الإنسان حين يفيض منسوب العقل عن مخزون النبل الذي يسكنه بشكل طبيعي... وئام، الطفلة التي تشبه بناتنا، بقدميها الحافيتين، وشعرها المنسدل على براءة الجبين، تساءلنا... تساءل البشرية جميعها، منذ أن اهتدى الإنسان الأول إلى فرك الحجر ببعضه كي تولد النار، إلى آخر صيحات التكنولوجيا ووجبات الحمية الموزونة بدقة متناهية... تساءل تطور العقل فينا، كيف انزاح نحو فوارق الأجساد وفوارق الشهوات... كيف يمكن محاسبة الجاني... هو جاني فقط، وليس ذئبا ولا ثعلباً كما سلف الذكر، الثعلب لا يواقع هجرسا، أنثى كانت أم ذكرا... لا فائدة من طرح الأسئلة، لماذا تُرِكت وحيدة على حافة الزرع؟ لأن الطبيعي أن تكون على حافة الزرع، تلعب كما يحتم عليها سنها وجسدها، تحلم ربما بسبورة وطبشورة أو بعروسة بشعر كستنائي بدل القصب الصغير الذي تتهمه عرائس ولعب... وحده الجاني من لم يكن محقا في مجاورة العشب، ولم يكن له أن يفكر في إفراغ شهوته في جسد وئام... ما يؤلم في قصة وئام هو غيابنا نحن بعد واقعة الاغتصاب في حد ذاتها، غياب الدولة التي لم تبادر إلى نقلها إلى مصحة متخصصة... لأنها للأسف لا تتوفر عليها أولا، ولأنها محكومة بمنطق الإجراءات... أن تسألهم ماذا فعلوا من أجل وئام؟ سيجيبونك أنهم اعتقلوا الجاني، وسيلصقون به صفة الحيوان... هو ليس حيوان، هذا الأخير له من النبل اتجاه الصغار من بني جنسه ما لا نتوفر عليه نحن... وئام أيضا عنوان كبير لطفولة مغتصبة، لرأس صغيرة مهشمة على مذبح الشغل المنزلي، لكفين صغيرين تشققا بفعل صقيع البرد، وتفاعل المواد الكيماوية في مساحيق صابون الأواني والملابس، عنوان الإدانة والغياب، وعنوان تفاهتنا حين ننجر وراء سجالات الغيب ونهجر البسمة المعلقة على شفاه أطفالنا.. على حسابي البريدي وصلتني عريضة تطالب بالخصي الكميائي للعابث ببراءة الأطفال... هل العقوبة هي الرادع ضد هذا السلوك المشين؟ هل هذا القذِر، وهو يعلن انتصابه في وجه البراءة الطفولية، يفكر في شكل العقوبة؟ إن كانت بضع سنين أو مؤبد أو إعدام أو خصي؟ لا أعتقد ذلك، العقوبة تأتي كي تحقق لنا نحن التوازن المطلوب لحظة الزلزال الذي يضربنا حين تنفجر قضية اغتصاب ما، وعنفها من عنف الفعل لا غير... وهو يشبه حالة العقل لحظة الاغتصاب، حين نفكر بخصي الجاني، نكون بصدد اغتصابه أيضا، ولم يكن مبدأ الفعل المماثل محققا للعدالة... الخصي هو مس بالسلامة الجسدية لإنسان ما، يستحق العقاب ويستحق إعادة التأهيل أيضا، لكن لا يجب أن نقع في جريمته... الخصي مثله مثل قطع يد السارق، ورجم الزانية وجلد الفاسق... والبشرية، بريح عقلها المتنور، تجاوزت مثل هذه العقوبات... بعد الاغتصاب، وبعد عزل الإنسان الجاني عن المجتمع، بمعنى تأبيد عقوبة حبسه كحل مرحلي، يجب الانكباب على تفتيت عقوبتنا الجماعية، يجب أن نعيد لوئام وأقرانها، اطمئنان اللحظة، وهم قريبون من الزرع... ذلك الزرع الذي يجب أن يكون آمناً...