هيمنة الأحزاب السياسية الكبرى على الحياة السياسية المغربية، أو على ما كان قد تبقى من هذه الحياة قبل 20 فبراير، قد يفقد أهميته و سطوته في تحديد تحالفات المستقبل على ضوء مشروع الجهوية الذي سيحكم مغرب المستقبل. تأهيل الحقل الحزبي يبقى المدخل من أجل عقلنة الحياة السياسية عن طريق بناء تقاطب حزبي يؤسس لفضاء عن طريق طيف سياسي مكون على الأكثر من ستة أحزاب، إلى حين الوصول إلى قطبية ثلاثية تعيد للحياة السياسية و الحزبية مصداقية التجاذب الحقيقي المبني على البرامج العامة الحقيقية لردم الواقع الحالي المبني على منطق الموقع من أجل الاستوزار. الجهوية المنتظرة المحكومة بمنطق تفويت جزء غير يسير من اختصاصات السلطة الحكومية المركزية إلى التمثيليات و التنفيذيات الجهوية قد يدفع كثيرا من الأحزاب الصغرى إلى التنازل الطوعي عن طموح التواجد على المستوى الوطني و الاكتفاء بالارتباط بالأصول الجغرافية لقادتها أو أطرها الأساسية. لقد شكل الأعيان قوة سياسية تعيش من رصيدها الاجتماعي المسنود بثرواتها منذ استقلال المغرب، حيث شكلت العمود الفقري ل«أحزاب الموالاة» المصنفة تاريخيا ب«الأحزاب الإدارية» منذ بداية الستينات إلى اليوم ، قبل أن تلجأ لها بعد ذلك أحزاب الصف الوطني و الديمقراطي منذ نهاية التسعينات لتعويض العجز في الامتداد الجماهيري الذي ولدته النكسة التي شعرت بها الهيئة الناخبة للتيار اليسار الديمقراطي بفعل صعوبة تنزيل الشعارات و تصريفها في البرنامج الحكومي. فهل يتجه الأعيان إلى بناء أحزاب محلية ذات توجه جهوي صرف أم سيسعون إلى بناء تحالفات بينهم تعطي «أحزاب مولاة» جديدة تلبس جبة ما بعد 20 فبراير؟ كيفما كان الجواب فقد اعتمد الأعيان في التجارب على الأخيرة من أجل تكملة حساب لوائحها على كائنات انتخابية ارتزاقية لا ترى في الاستحقاقات الانتخابية و ما يليها من تكوين مكاتب المجالس و هيكلتها و التصويت على الحسابات الإدارية إلا مناسبة مدرة للدخل أو ما اصطلح عليه «تفعيل المادة 28 من دستور الحكامة الجيدة» (أي نجلسوا للأرض و نتفاهمو) و مناسبة هذا اللغو هو ما حدث في الاجتماع الأخير لمجلس مدينة الدارالبيضاء. فإذا كان المرء يتفهم الدواعي السياسية لموقف الرفض الذي يتبناه منتخبو الإتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال، الحزب العمالي، الذين يشكلون معارضة للأغلبية داخل المجلس، و قد يتفهم موقف العدالة و التنمية الذي يرى مستشاروه أن تصدع الأغلبية المسيرة يمكن أن يكون مفيدا للحزب في الحصول على مقاعد إضافية داخل مكتب المجلس تكون أكثر إنصافا للحزب بالنظر إلى عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، فأنه من غير المفهوم البتة سلوك بعض مستشاري مجلس المدينة المنتسبين إلى أحزاب الأغلبية من دعاة تفعيل «المادة 28 من دستور الحكامة الجيدة». دورة المجلس من المفروض أن تتفحص كل الوثائق المتعلقة بأوجه صرف الاعتمادات خلال السنة الماضية حتى يتم برمجة الفائض خلال السنة الجارية، لكن المستشارين طالبوا بالوثائق المتعلقة بتدبير المرفق العام و رجعوا إلى 15 سنة خلت و حصلوا عليها. الأمر إذن جيد، هذه صحوة ضمير للذين عشعشوا في جماعة الدارالبيضاء منذ عقد من الزمن و الآن استيقظ ضميرهم للدفاع عن الحكامة الجيدة من أجل الرفع من مداخيل المدينة. بعد حصولهم على الوثائق المحاسباتية و قبل مناقشتها داخل لجنة المالية سعوا إلى تعميم الفائدة و توزيعها على الصحافة الوطنية من أجل إشراك الرأي العام في النقاش الحالي و هو قمة الديمقراطية المحلية. و عندما تمت تعبئة الرأي العام و نشر لائحة المستفيدين من اقتصاد الريع تحرك «المرايقية» الذين ألفوا الحصول على « لمحنّة» عشية كل استحقاق من أجل تمرير الحساب الإداري سواء في شكل سفريات مدفوعة الأجر أو التوقيع على امتيازات في بعض المرافق العمومية كسوق الجملة الذي سبق و استفادوا من تحويل المراحيض إلى مقاهي أو من تمرير بعض الطلبات الخاصة المدرة للدخل كتراخيص البناء غير المستوفاة للشروط، من أجل الضغط على صاحب المجلس و يده اليمنى الذي رعى لمدة سنوات جيلا من «المرايقية» وبعد 2009 تم رفع اليد عنهم بعد أن استهلك كل الهوامش المنتجة لاقتصاد الريع مما دفعهم إلى «تسخين الطرح» و«الحيحة» وحتى لا يفقدوا الأمل تحركوا في اتجاهين : أولا المطالبة بإحياء «تقليد لمحنّة» (التدويرة) أو «المادة 28» و النزول للأرض للتفاهم مع الرافضين من أجل عودة المياه إلى مجاريها و إلا فإن مجلس المدينة لن يعقد أي اجتماع ما دام أن «فتوة ما قبل 20 فبراير» لم يتم إرضائهم. ثانيا في اتجاه المستفيدين من اقتصاد الريع في السقالة بالمدينة القديمة و مركب بارادايز و الغابة الخضراء و المحطة الطرقية من أجل التفاهم مع «المرايقية» حتى لا تتم مراجعة السومة الكرائية بالشكل المعلن. يساند هذا التوجه «الإصلاحي المرايقي الجديد»، مجموعة من البارونات المعروفين في مدينة الدارالبيضاء، و في مقدمتهم المنسق القروي لحزب شعبي، أحد بارونات البناء العشوائي في ضاحية الدارالبيضاء الذي بنى مدينة صناعية عشوائية تحث أنظار قانون التعمير و الدوريات المشتركة لوزارات العدل و السكنى و الداخلية حيث دعم «الجناح الإصلاحي المرايقي» عن طريق تفعيل «تقليد لمحنة و المادة 28» و يسانده في ذلك أحد «الكرابة المرخصين» المنتمي إلى أحد أحزاب الصف الوطني الديمقراطي الذي يقوم بدور خيط أبيض بين المستفيدين من اقتصاد الريع و «قادة الإصلاح المرايقي». إن روح ما بعد عشرين فبراير تقتضي أولا أن يثم بعث لجنة تحقيق تباشر عملها من أجل القيام بتفحيص دقيق ل 15 سنة من التسيير في مدينة الدارالبيضاء و الوقوف على المستفيدين في المراحيض التي تم تحويلها إلى مقاهي في سوق الجملة و كل الصفقات التي تم تمريرها حتى يتم استجلاء الحقيقة و محاسبة كل من خان ثقة ساكنة البيضاء من أجل الاغتناء غير المشروع. و ثانيا على المستفيدين من مرافق الدارالبيضاء، المطالب مجلس المدينة بمراجعة سومة كرائها، أن يعلنوا للرأي العام أسماء «الإصلاحيين المرايقية ووسطائهم» الذين استغلوا 20 فبراير من أجل الارتزاق و الضحك على ذقون الشعب الذي ائتمنوا على صيانة أملاكه و تحسين مداخيلها لفائدة الساكنة البيضاوية. افتتاحية العدد 424 الخميس 7 أبريل 2011