يتميز المشهد السياسي في المغرب بعدد من المميزات، من بينها اللامنطق، ففي المغرب وأمثاله من الدول العالم ثالثية، قد تجد ثاني مسؤول في الدولة يتحدث عن تماسيح وعفاريت تعرقل مساره في التسيير الحكومي، كما تجد بغزارة من يتحدث عن عوامل خارجية في عدم فوزه بمسؤولية حزبه، وهو سلوك نفسي كما نجده عند مسؤولي الدولة والأحزاب، فإننا قد نجده سلوكا نفسيا عند العامة «مْشا علي التران، طاح لي الكأس، خْرج علينا الحكم..» عبارات أكثر تداولا في الحديث عن عدم تحمل المسؤولية كاملة، وكما نجدها عند عامة الناس، فهي حاضرة في حديث المسؤولين سواء الحكوميين أو الحزبيين، فالسلوك الإنساني بعدم تحمل المسؤولية هو واحد من رب الأسرة إلى رئيس الحكومة، وقد وجد هذا السلوك انتعاشا كبيرا في الوسط السياسي مؤخرا. إذ تحدث عبد الواحد الفاسي، المرشح السابق للأمانة العامة لحزب الاستقلال عن «أياد خفية تدخلت في اختيار منافسه حميد شباط، أمينا عاما»، وهي نفس اليد التي اتهمها آحمد الزايدي، للتدخل لصالح ادريس لشكر في فوزه بالكتابة الأولى لحزب الاتحاد الاشتراكي، عندما تحدث عن وجود «جهات خارجية تدخلت في انتخاب الكاتب العام الأول للحزب، ومارست ضغوطات على بعض المؤتمرين من أجل التصويت لصالح لشكر». وفي نفس السياق سبق لعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة أن تحدث عن «عفاريت وتماسيح، تعرقل مساره الحكومي». هي إذن مظاهر متعددة لمايسمى بنظرية المؤامرة، وهي تعني رمي المسؤولية على الآخر سواء كان ماديا أو معنويا، ملموسا أو ميتافيزيقا، تتوخى الدفع بمبررات مفادها «أن فشلي في الحصول على مكسب مادي أو منصب حزبي مرده هو تدخل هذا الطرف الخفي أو تلك الجهة الخارجية؟؟». وحسب عدد من أطباء النفس الذين استأنست «الوطن الآن» برأيهم فإن هذه العملية، رمي المسؤولية على الآخر، تترك نوعا من الارتياح والأمن النفسي وتزيل القلق وتخفف أثر العجز والإحباط والشعور بالنقص أو الخلل وإن بشكل خادع، لكن مع تكرارها وتداولها تؤتي مفلا إيجابيا لدى مصدرها، من باب «اكذب، اكذب، حتى يصدق الناس»، فهي تمويه للنفس وخداع للذات بتشويه تصوير الواقع. كما يصنف المختصون رمي العامة والسياسيين وغيرهم للمسؤولية على الآخر، بكونها تندرج في إطار «الحيل الدفاعية»، فعندما يتحدث عبد الإله بنكيران أو عبد الواحد الفاسي أو أحمد الزايدي أو غيرهم عن أطراف تدخلت لصالح خصومهم، يحاولون من خلال ذلك الدفاع عن فشلهم في اجتياز خصومهم، ومحاولة إقناع مناصريهم أن الأمر أكبر من دعمهم، فهم بذلك يحاولون إنكار عجزهم وفشلهم في كسب ما يتطلعون إليه، وهو أمر لايختلف عن المثل الدارجي الذي يقول «المش مللي ما كايوصلش للحم كايكول خانز». ويتابع عدد من المهتمين بأن من شأن تواتر هذه المبررات الواهية في الحقل السياسي، زيادة من ميوعته، فالمفروض أن الأحزاب ومسؤوليها يؤطرون المواطنين، فمابالك بمسؤول حزبي أو حكومي يرمي بالمسؤولية على الأيادي الخفية والجهات الخارجية، ويحاول الظهور بمظهر المظلوم والضحية، وهو مايتطلب التصدي لهذه الظاهرة والحد منها على الأقل في مستويات التسيير الحكومي والحزبي، لأن الاعترف بالتقصير فضيلة. تفاصيل أكثر في غلاف االأسبوعية العدد 499 الخميس 27 دجنبر2012