شاءت الأقدار أن ترافق الموت النجم الغيواني الكبير عبد الرحمان قيروش الشهير ب"باكو" في محطتين أساسيتين من مسيرته الفنية. صيحة هذا المعلم الكناوي الشهيرة في نهاية أغنية "غير خودوني" لم تكن سوى تعبير عن ألم المجموعة لفققدان نجم غيواني كبير آخر هو الأسطورة بوجميع. ففي سنة 1974 التحق عبد الرحمان باكو بمجموعة ناس الغيوان قادما إليها من مدينة الصويرة التي اشتغل فيها بالنجارة والنقش على خشب العرعار إلى جانب تاكناويت. كانت مجموعة جيل جيلالة المراكشية تحاول هي الأخرى إقناع باكو بالاستمرار معها بعدما قضى فيها مدة قصيرة. لكن رفاق بوجميع وباطما سبقوا الجيلالة ونجحوا في إقناع هذا المعلم الكناوي الخالد بالانضمام إليهم. كان ذلك غداة انفصال الفنان عبد العزيز الطاهري عن مجموعة ناس الغيوان بعدما كان أحد مؤسسيها
انضم باكو إذن لناس الغيوان معوضا الطاهري في العزف على آلة الهجهوج الكناوية، وكانت البداية مع أغنية "غير خودوني" التي تحمل بصمات بوجميع في مطلعها المكتوب باللهجة الحسانية الصحراوية، وهي واحدة من أغنيات كثيرة غنتها الغيوان لفلسطين.
لكن الموت كانت في الموعد، فرحل الأسطورة بوجميع عن الغيوان سنة 1974 وبقيت المجموعة لأول مرة بأربعة أفراد فقط هم العربي باطما، عمر السيد، علال يعلا، وعبد الرحمان باكو. من غرائب الصدف أن آخر أغنية أصدرتها المجموعة قبل وفاة بوجميع كانت بعنوان "غير خودوني"، فكانت لوعة الفراق صرخة كناوية مشهودة يختتم بها عبد الرحمان باكو "غير خودوني" في بعض التسجيلات الصوتية لهذه القطعة المشهورة. أما باقي مقاطع الأغنية فاستقلت بذاتها وأصبح الغيوان يؤدونها بشكل منفصل عن أغنية "غير خودوني" وتحمل عنوان "حمودة"، وذلك في التسجيلات التي تلت وفاة بوجميع.
ثم كانت الأغنية الرائعة في مسار باكو والغيوان، أغنية "النادي أنا" التي وهبهتها المجموعة لرثاء فقيدها بوجميع، وشد فيها باكو الأسماع بأنفاسه وصيحاته وعزفه.
واصل باكو بعد ذلك مسيرة حافلة مع الغيوان برزت خلالها "تاكناويت" في ألحان وإيقاعات أغاني كثيرة للمجموعة، فكان بصمته واضحة في قطع مثل "أنادي أنا"، "نرجاك أنا يلا مشيت"، و"الرغاية" وغيرها. كما أحيى رفقة المجموعة حفلات جذبة جماعية صورها المبدع أحمد المعنوني في فيلمه الشهير "الحال".
مرة أخرى حضرت الموت لتنهي علاقة عبد الرحمان باكو بناس الغيوان، كما كانت حاضرة في صناعة بدايته مع هذه المجموعة. في أواسط التسعينات من القرن الماضي مرض الفنان الخالد العربي باطما وبدأ يغيب عن المجموعة إلى أن توفي سنة 1997. قبيل ذلك نشب خلاف شخصي بينه وبين عبد الرحمان باكو حول تدبير المجموعة وأمور لا علاقة لها بالفن، كما يلمح لذلك العربي باطما في سيرته الذاتية التي كتبها وهو على فراش الموت بعنوان "الرحيل".
وفاة باطما كانت سببا غير مباشر في انفصال باكو عن المجموعة كما كانت وفاة بوجميع حافزا قويا لبدايته معها.
انفصل إذن باكو عن ناس الغيوان وتراجع أداء المجموعة عموما بعد رحيله ووفاة باطما، ولم يبق من الجيل المؤسس سوى عمر السيد وعلال يعلا. حاول باكو العودة للساحة الفنية في مطلع العقد المنصرم بتشكيل مجموعة كناوية يشاركه فيها العزف أحد أبنائه، غير أن المرض حال دون ذلك، فغاب باكو عن المشهد الفني والإعلامي لتتسرب أنباء مرضه من حين لآخر، إلى أن توفي هذا اليوم المصادف ل14 نونبر 2012 عن عمر يناهز 64 سنة.