أصبح النفوذ على التلفزيون العمومي مقتسما بين حكومة بنكيران و"حكومة فيصل العرايشي" في أسلوب أشبه باتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين والذي دام لأكثر من ثلاثة أشهر بسبب القصة الشهيرة لدفاتر التحملات. حيث أصبحت القناة الأولى في نشراتها الإخبارية الرئيسية للتاسعة ليلا تبث مقتطفات بالصوت والصورة من خطب وتدخلات رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران سواء في المجالس الحكومية أو في اجتماعاته مع مؤسسات عمومية، تماما كما حدث بالأمس في اجتماعه بمؤسسة العمران تحت أنظار وزير السكنى نبيل بنعبد الله المكلف اليوم بمراجعة دفاتر تحملات الإعلام العمومي لتقليص هيمنة الحكومة عليها.
أضف إلى ذلك الخرجة التلفزيونية لبنكيران يوم 6 يوينو الماضي في بث مشترك بين الأولى ودوزيم وقناة العيون لشرح قراره المتعلق بالزيادة في الأسعار في سابقة هي الأولى من نوعها.
مثل هذه التغطيات الإعلامية لم تعهدها القناة الأولى من قبل، إذ لم يسبق لمشاهديها أن تعرفوا على "كلام" عباس الفاسي أو حتى قبله ادريس جطو خلال المجالس الحكومية، بل كانت تكتفي فقط بنقل صور للاجتماعات مرفوقة بقراءة بلاغات وكالات المغرب العربي للأنباء أو بتصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة.
أما القناة الثانية فستشرع ابتداء من شهر رمضان في بث برنامج أسبوعي ديني "الدين والناس" من تقديم مصطفى بنحمزة عضو المجلس العلمي الأعلى ورئيس المجلس العلمي لوجدة، في خطوة لنفي تهمة انتمائها لما يسمى "بخلية التيار الفرنكوفوني" النائمة منها والمستيقضة والتي أطلقها عليها حزب العدالة والتنمية خلال فترة الحرب على دفاتر التحملات التي تضمنت إلزام القناة ببث الآذان ونقل صلاة الجمعة.
كل هذا "الكرم التلفزيوني" الذي صار العرايشي يغدقه على الحكومة، مرده إلى ثلاثة أسباب رئيسية: أولا: مبادرة بنكيران إلى تجميد دفاتر تحملات القطب العمومي التي أعدها وزيره الخلفي والتي أثارت الكثير من الجدل لدرجة استدعت معها تحكيما ملكيا. ثانيا: انتقاد رئيس الحكومة للعرايشي بخصوص تغطيات تلفزيونية سابقة تظهره يضحك ويمازح وزراءه في مجالس حكومية في "محاولة لتسفيه العمل الحكومي" كما سماها بنكيران. وثالثا: الإبقاء على العرايشي وسليم الشيخ وسميرة سيطايل في مناصبهم بعدما كان حزب العدالة والتنمية يطالب بإقالتهم على اعتبار أنهم موظفون للدولة ملزمون بتنفيذ السياسات الحكومية لا بمعارضتها لأن ذلك من مهام المعارضة البرلمانية.
في المقابل ثمة قناعة اليوم لدى كل العاملين بالتلفزيون أن هذا الكرم التلفزيوني لا يمكن أن يكون اجتهادا شخصيا من العرايشي وإلا فإن ذلك سيكلفه منصبه، بل هي مبادرة أقدم عليها بعد "استشارة أهل الحل والعقد التلفزيوني" في البلاد، لذا نكاد لا نسمع اليوم أحدا يحتج على هذه الصفقة غير المعارضة الاتحادية في حنين إلى أيام زمان.