يستقبلونك بالتحية ملوحين بأيديهم نحو السيارة، لا يهمهم من تقل بالقدر الذي تهمهم حركتهم تلك في تحريك عواطفك والالتفاتة نحوهم، لعلك من فاعلي الخير أو أحد المحسنين الذين يجودون بهداياهم تكون عادة بل دوما قنينات الماء والحلوة يقول سائق السيارة الرباعية الدفع الذي ينقلنا بين المسالك الوعرة لقرى إقليم " زاكورة ". هو جيل ينشأ مجدد دون الاستفادة حقهم، أرضهم، ترباهم الذي ينشق ليلد ( ذهبا وفضة ونحاسا وكوبالت ....) . هل يعرف أولائك الأطفال أن الأرض التي يمشون فوقها حفاة تحوي ما يغنيهم ويسمنهم من جوع؟. هل يعلمون أن المدرسة التي تبعد عنهم بكيلومترات يمكن أن تكون أقرب بل أرقى من مدارس البعثات الأجنبية؟. هل علمهم آباؤهم وأمهاتهم حب الانتماء إلى الأرض والدفاع عن مستخرجاتها؟. أسئلة يفرضها واقع قرى ومدن الأحواض المنجمية " وقفت "كود" خلال مشاركتها في لقاء لتدارس الإستراتيجية التنموية للمناطق المنجمية ومحيطها بجهة الجنوب الشرقي للمغرب احتضنته مدينة زاكورة.
على ما تعيشه الساكنة يوميا وما تتأثر به بيئيا واجتماعيا جراء الاستغلال المباشر لأراضي التنقيب عن المعادن.
الإستراتيجية ستنخرط فيها شركة " مناجم " التي تحتكر الاستثمار والتنقيب في القطاع حقق أرباح خيالية في السنوات الأخيرة التابعة للشركة الوطنية للاستثمار (الهولدينك الملكي)، بعد أزمة 2008 بشكل مباشر.
"مناجم" تلجأ للمجتمع المدني لتلميع الصورة واحتواء الاحتجاجات.
شكلت احتجاجات ساكنة " إيميضر" بإقليم " تينغير " منعطفا حاسما في الطريقة التي تعالج بها الملفات الاجتماعية والاحتجاجية من طرف شركة "مناجم" والدولة.
فساكنة إيميضر اختارت شكل المواجهة المفتوحة للانتزاع الحقوق التي يعتبرونها مشروعة لأن المعدن تحت أرضهم، وأضف لمطالب الإدماج والتشغيل مشكل المياه الجوفية ومياه الآبار، يقول عنها سكان "إيميضير" أنها استنزفت ولن يجدوا ما يشربونه في السنوات القليلة القادمة.
هذه الرواية " تكذبها " معطيات رسمية قدمتها شركة " مناجم " في شخص عبد العزيز أبارو الرئيس المدير العام الذي قال في حوار له ل " كود " أن ما تقوله الساكنة عن استنزاف مياه شربها كذب ولا علاقة له بالواقع ورفع في ذات الحوار تحديا بجلب خبراء من دول أجنبية أي من خارج "مناجم" لتأكيد صحة روايته.
وقد قدمت الشركة انجازاتها في مجالات عدة تبتدئ بمجالات التنقيب والاستثمار داخل المغرب وخارجه وكذا مجالات التنمية المجتمعية والبيئية، وذكرت الشركة جوائز حصلتها مقابل عملها والتزاماتها بتطوير القطاع نذكر من بينها : جائزة المقاولة المتجددة سنة 2011، جائزة الحوار الاجتماعي سنة 2005، وشهادة الجودة لنظام تدبير الصحة والسلامة بمقرات العمل. وقد تكفل النسيج الجمعوي بمدينة " زاكورة " ومنتدى بدائل المغرب بتعبئة مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين والاقتصاديين للمشاركة في لقاء طرح برنامج التنمية المستدامة، والذي عرف كذلك مشاركة عامل " زاكورة " والمنتخبين المحليين لمختلف أقاليم الجنوب الشرقي. وقد لعب النسيج والمنتدى دور الوسيط بين المشاركين في للقاء خاصة الساكنة منهم وشركة " مناجم " محاولا إبراز الدور المهم للتفاوض والعمل على انتزاع الحقوق تدريجيا، وعبر مراحل لا الدخول في مواجهات مباشرة اعتبرها شريكي " مناجم " في اللقاء ضربا للمصالح العليا للبلاد.
لم تنجح الوساطة التي لعبها النسيج الجمعوي ومنتدى بدائل في كبح جماح المتدخلين من أبناء الأقاليم التي تحوي مناجم فوق ترابها، وصب جل المتدخلين غضبهم على شركة " مناجم " متهميها باستغلال ما يوجد في باطن الأرض دون أن تنعكس أرباحها على الحياة اليومية للمواطنين والعاملين بالشركة.
ولم تكن الساكنة وحدها المتدخلة لفضح وتعرية الواقع، فكما تابعت "كود" تدخل مجموعة من المنتخبين المحليين الذين قدموا معطيات بالأرقام تعكس عكس ما قالت "مناجم" أنها حققته أو تصبو لتحقيقه. وقالت زهرة مستشارة بجماعة " البليدة " ( بها منجمين واحد لاستخراج الذهب والآخر للنحاس ) في تصريح ل "كود" أن الساكنة لا تستفيد شيئا، وبالمقابل تعاني من مشاكل صحية خاصة الأمراض الجلدية والتنفسية، وأضافت زهرة في تصريحها ل "كود" أن الفرشة المائية والآبار دمرت عن آخرها جراء الاستغلال المفرط لمياهها وقالت أن "دوار سمارة" الذي يبعد عن جماعة البليدة بسبعة كيلومتر أصبحت الساكنة تعيش فترات عطش وشح خطير في المياه.
وقد طالب المتدخلون من الدولة والسلطات المحلية بأقاليم الجنوب الشرقي، بالتدخل لحل المشاكل العالقة وفتح حوار جاد مع الحركات الاحتجاجية بالأحواض المنجمية، مع ضرورة تفعيل الأرقام التي تقدمها شركة " مناجم " عوض تركها حبيسة الأوراق، ورفعوا كذلك مطلب تفعيل المنفعة الجهوية من الأرباح التي توفرها المعادن التي تتواجد بأقاليمهم، مشددين على ضرورة تعامل بالمقاربة الحقوقية ما كافة المشاكل عوض المقاربة الأمنية وتأجيج الاصطدام.
نعود لأطفال التحية البريئة الذين ينتظرون بوعي أو غير وعي شروق يوم تستوي فيه الأنفس، وتصبح قيمة من يمشي فوق الأرض في كفة متساوية مع ما ينبض تحتها من معادن نفيسة، يومها لن تلجأ " مناجم " أو غيرها للوساطة كي تغير من نظرتها للمفهوم الحقيقي للتنمية، ولن يضطر ساكنة "إيميضر" إلى لاعتصام لشهور من أجل قطرة ماء ولن يبقى الطفل بدر منقطعا هو ورفاقه عن الدراسة ليسترجع الكتب والأقلام عوض رفع مكبر الصوت لترديد الشعارات.