بعض الجرائد والمواقع التي تتسقط أخبار رئيس الحكومة ووزراءه في سكناتهم وحركاتهم، وتكتب قصائد الغزل والمديح في عبد الإله بنكيران والرميد بمناسبة أو بدونها، لم يكن في علمها أن هناك مسيرة وطنية في الدارالبيضاء تنظمها مركزيتان نقابيتان بدعم من مجموعة من الهيئات السياسية، ولذلك لم تنقل تلك الجرائد والمواقع أي خبر عن تلك المسيرة، خوفا من أن تنجح وتشكل إحراجا لا تحبذه لصاحب الحظوة وإخوانه الثقاة. المثير أن وسائل الإعلام تلك تعتبر نفسها مستقلة، ورغم ذلك ارتأت، وفي إطار المهنية التي تتبجح بها أن تعتم عن الخبر وأن لا تمنحه أي حيز في صفحاتها المليئة بأصحاب اللحى وبفتوحاتهم وإنجازاتهم الخارقة على مستوى الكلام فحسب. كأن معظم الجرائد المغربية هي الآن لسان حال العدالة والتنمية وناطقه الرسمي، وقد كان هذا هو حالها حتى في الوقت الذي كان فيه الإسلاميون في المعارضة، ليتبين أنها فعلا حليفته في السراء والضراء، وأنها تتضامن مع الإسلاميين بسبب ضعف إعلامهم، وتقدم لهم خدمة مجانية في سبيل الله ومن أجل نيل الحسنات في الدنيا والآخرة. إنه خط تحريري جديد نكتشفه يوما بعد يوم في هذا النوع من الصحافة المستقلة، يرى أنه من غير الضروري إخبار القراء بمسيرة ضد الحكومة وقراراتها، لأنها تعتبر أن أي معارضة لحزب العدالة والتنمية هي معارضة مغرضة و يجب التغطية عليها وحجبها، لئلا تشوش على المجهودات الجبارة التي يقوم بها "النجم" بنكيران، والذي تعتبره متألقا وعبقريا لم يجد الزمان بمثله. قبل سنوات من الآن كان هذا النوع من الصحافة مستعدا لجلد أي حكومة، وكان يهيء لها أسباب الفشل قبل أن تشرع في مهامها، وربما يتذكر الكثيرون عبقرية بعض الجرائد التي طالبت برحيل اليوسفي وهو في الأشهر الأولى من عمر ولايته، في إطار نوع جديد من الإعلام يحلل وينشر الأخبار باللجوء إلى التنبؤ والسحر، وهو توجه تعزز الآن بفضل مواقع إلكترونية وصحف ورقية تغازل الإسلاميين وتوجه الضربة تلو الأخرى إلى خصومهم السياسيين. وحين كانت حركة 20 فبراير تخرج في المسيرات إلى جانب العدل والإحسان والسلفيين، كانت هذه الصحافة تمجد الشارع"الثائر" والربيع العربي، أما أن تقوم بذلك مع أحزاب تشكل المعارضة الحالية، فهذا في نظرها يعتبر حراما وشركا لا يجب الاقتراب منه. وفي وقت تنادي فيه هذه الصحافة بحرية الإعلام نجدها هي نفسها تمارس ضمنيا ديكتاتورية مقنعة وإعلاما لا ينقل إلا رأيا واحدا مع تغييب كل صوت نشاز ولا يسير وفق الخط الذي يريده السيد بنكيران، في تناقض واضح مع الشعارات التي ترفعها ومع شعبويتها التي اختارت طرفا دون الآخر لتقف في صفه، وها هي الآن تقول لقرائها إن شيئا لم يحدث يوم الأحد في الدارالبيضاء، ومن رأى منكم شيئا فقد شبه له.