-سهولة الاختراق -سهولة الولوج سيف ذو حدين -التعليق نعمة ونقمة -انعدام الاستقلالية -المنافسة غير الشريفة -نشر الأخبار الزائفة -غياب الضمانات للصحفي الإليكتروني يشهد العالم في وقتنا الراهن ثورة كبيرة في مجال الصحافة الإليكترونية التي تعرف إقبالا وانتشارا يسير بسرعة مذهلة يوما عن يوم,ولأدل على ذلك ظهور موقع ويكيليكس الذي أحدث زوبعة وضجة إعلامية لم تشهد لها الصحافة العالمية مثيلة من قبل, فقد أصبح الناس في جميع أنحاء العالم ينتظرون كل ساعة و يترقبون في كل دقيقة بشغف كبير ما سيكشف عنه هذا الموقع من معلومات جديدة وأسرار خطيرة,كما أن إقبال الملايين على فتح صفحاتهم على الفايسبوك والتويتر,إضافة إلى العدد الهائلة من الفيديوهات التي يتم نشرها على موقع يوتوب,والكم الهائل من المشاهدين لهذه الفيديوهات,لا يمكن أن يقال عنه سوى أن الصحافة الإليكترونية المكتوبة أو المسموعة والمرئية(الفيديوهات),قد بدأت تسحب البساط من تحت أرجل الصحافة الورقية,لكن رغم كل هذا فإن الإعلام الإليكتروني لا يخلو من عيوب تمثل في نظرنا نقطة ضعف لهذه الصحافة,ونجيز بعضا من هذه العيوب فيما يلي: -سهولة الاختراق: يمثل اختراق مواقع الصحف الإليكترونية مشكلة كبيرة وتهديدا خطيرا ترتعد له فرائص هذه الصحف,بل وجميع المواقع الإليكترونية,خاصة غير المحصنة بشكل جيد,ف"الهاكرز" يلقي دائما بظلاله وثقله على كل هذه المواقع,ولاسيما عندما يكون هدف الهجوم هو محو كل المعلومات المتوفرة وأرشيف الجريدة أو الموقع الذي يتم الهجوم عليه,ومثل هذه الهجومات تكون من أطراف متعددة,فقد تكون من السلطات التي تسعى إلى قمع كل صوت حر,خاصة مع العلم أن الانترنت حول العالم إلى قرية صغيرة لا حدود فيها لحرية التعبير,وهذا ما ترى فيه بعض الدول تهديدا لها بسبب فضح هذه الجرائد للخروقات التي تقع في بلد ما ووضعها أمام القاريء أو المشاهد أينما كان في العالم,كما قد يكون الهجوم من أطراف أجنبية معادية, أو من أشخاص يختلفون مع الإيديولوجية المؤطرة للموقع المستهدف(مثلا هجوم الإسلامويين على مواقع علمانية أو العكس),أو حتى من جرائد ترى في الصحيفة التي تتم مهاجمتها منافسا ينبغي محوه وذلك في إطار المنافسة غير الشريفة التي سنتطرق إليها لاحقا. -سهولة الولوج سيف ذو حدين: تشكل سهولة ولوج عالم الأنترنت والإطلاع على ما يرد فيه من أخبار ومستجدات نقطة قوة الصحف الإليكترونية,إذ لم تعد المعلومة حكرا لأحد,بل أصبح بإمكان أي إنسان في أي مكان من العالم الولوج إليها وبسهولة,لكن الجانب السلبي في الموضوع أن ولوج الأطفال والقاصرين إلى بعض الصحف الإليكترونية قد يشكل خطرا عليهم,لأن ذلك قد لا يتلاءم مع أعمارهم,ومن أمثلة ذلك نشر بعض الصور الشبه عارية أو العارية أو صور لتفجيرات تعرض أشلاء متناثرة لأناس قضوا في ذلك التفجير,ونفس الشيء يقال عن فيديوهات التعذيب والإعدامات والتفجيرات والمشاجرات,فنظرا لحب التقليد-خاصة عند الأطفال- فذلك يشكل في الحقيقة خطرا عليهم,وهنا تحضرني حادثة أطفال شاهدوا فيلم عمر المختار فحاولوا إعادة تمثيله مما أدى إلى إعدام واحد منهم كان يقلد دور عمر المختار,نفس الشيء بالنسبة لفيديوهات الملاكمة أو المشاجرات,وهنا تتضح خطورة ولوج الأطفال والقاصرين إلى مواقع بعض الصحف الإليكترونية. -التعليق نعمة ونقمة: إن ما يعطي للمقالات والمواضيع التي تنشر على صفحات الجرائد الإليكترونية طعما خاصا هو تعليقات القراء,فبدون تعليقات القراء يبقى الموضوع كطعام بلا ملح,وإذا كان التعليق يمنح للقاريء أو المشاهد فرصة للتعبير عن رأيه بحرية,والتفاعل مع الموضوع المنشور إيجابا أو سلبا,حيث نجد بعض التعليقات أكثر تماسكا وفائدة من الموضوع المنشور نفسه,لكن إذا كانت هذه نقطة تفوق وقوة الجرائد الإليكترونية على نظيراتها الورقية التي لا تتوفر فيها نفس الميزة,فإنها لا تخلو من عيوب ترتبط أساسا بما اصطلاحنا عليه سابقا سهولة الولوج,إذ نجد أن بعض التعليقات تكون بعيدة تماما عن موضوع المقال وينصرف أصحابها إلى مناقشة اسم كاتبها وتغييره والتهكم عليه بدل مناقشة أفكاره,كما قد تتحول بعض التعليقات إلى تبادل للسب والشتم عوض النقاش الجدي والراقي المؤسس على الحجج والأدلة,وفي نظري الشخصي فتعليقات من هذا النوع لا يمكن أن تأتي إلا من أشخاص قاصرين وغير راشدين,أو من أشخاص يختلفون من أجل الاختلاف,ويعارضون من أجل المعارضة حتى دون أن يقرؤوا موضوع المقال ,ويقودنا كل هذا إلى نقطة سلبية أخرى فيما يرتبط بالتعليق و تتمثل في قيام بعض القراء بأعمال صبيانية كالتبليغ عن التعليقات التي لا تروق مزاجهم أو يختلف معهم أصحابها في الرأي,مما يؤدي بالتالي إلى حذف هذه التعليقات حتى وإن لم يكن هناك داع لحذفها,خاصة عندما يتم ذلك دون مراجعة أو تدقيق من المشرفين للتأكد حول ما إذا كان التعليق المعني يستحق فعلا الحذف أم لا. -انعدام الاستقلالية: مهما رفعت جريدة ما كيفما كانت شعار الاستقلالية والحياد فإنها لا يمكن أن تكون مستقلة مئة بالمائة,إذ هناك قضايا لا مجال فيها للحياد,كالقضايا الإنسانية التي يتوحد عليها الناس جميعا رغم اختلاف إيديولوجياتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية,نفس الشيء بالنسبة للقضايا الوطنية التي لا مجال للحياد فيها,وفي مثل هذه القضايا فلا بأس أن تعلن الجريدة التي تدعي الاستقلالية والحياد عن موقفها الذي هو في الغالب موقف جميع القراء,لكن العيب في أن نجد جرائد تدعي الاستقلالية والحياد بينما لا تنفك عن مهاجمة أشخاص بعينهم أو أحزاب أو حركات بعينها,بل وتخصص عمودا لمهاجمة من يختلف معها في توجهاتها وتصوراتها لقضية من القضايا,وفي المقابل تنشر بيانات وفيديوهات لأحزاب بعينها أو تجري حوارات مع أشخاص بعينهم,وحتى إن كانت بعض الجرائد تزعم أن ما ينشر بها لا يعبر عن رأي الجريدة بل عن رأي صاحبه,فإن سماح المشرفين بالجريدة على نشره يعتبر في الواقع قبولا وترخيصا لما جاء فيه,بل إن تخصيص الأعمدة لأشخاص معينين يكون بموافقة أصحاب الجريدة,فكيف تكون الجريدة بريئة مما ينشره أصحاب أعمدتها في حين أنها هي من فتحت لهم تلك الأعمدة؟! -المنافسة غير الشريفة: كما هو الشأن بالنسبة للقنوات التلفزية والجرائد الورقية,فإن الجرائد الإليكترونية تسعى هي الأخرى لتحقيق الشهرة والسبق في نقل الأخبار في إطار تنافس شرس بين هذه القنوات والجرائد,وإذا كانت أغلب القنوات التلفزية والجرائد تعتمد في نقل أخبارها على شبكة مراسلين موزعين في مناطق مختلفة,فإن أغلب الجرائد الإليكترونية لا تعتمد سوى على ما تستقيه من هنا وهناك وعلى ما ينشر على صفحات جرائد أخرى أو فيديوهات تعرض في موقع اليوتوب,دون أن تقوم هي بأي مجهود يذكر كالتنقل لموقع حدث ما و تصويره,ولا حتى مجرد ذكر مصدر الخبر,إذ كثيرا ما يجد القاريء خبرا منشورا بنفس الصيغة وبنفس الطريقة والأسلوب في عشرات الجرائد الإليكترونية دون أن يعرف مصدر الخبر ولا اسم الجريدة السباقة إلى نقله,وذلك في ظل تنافس غير شريف أشبه ما يكون بالقرصنة والسرقة الأدبية,خاصة مع غياب قانون ينظم عمل الصحافة الإليكترونية و يحفظ الملكية للناشرين الإليكترونيين,ويقودنا هذا إلى مشكلة أخرى,وتتمثل في تشابه أغلب الصحف الاليكترونية إلى درجة تكاد لا تحس فيها بأنك انتقلت من موقع جريدة إلى موقع أخرى؛نفس التصميم,نفس الديكور,بل الأهم نفس الأخبار,نفس الفيديوهات,وهذا في الحقيقة أمر مخل بالصحافة وأخلاقها,إذ لا يعقل أن يجتهد أشخاص لنقل الأخبار من مواقعها,ويعمل آخرون بالاسترزاق على مجهوداتهم ونشر تلك الأخبار دون القيام بأي مجهود يذكر. -نشر الأخبار الزائفة: إنه لمن المؤسف حقا أن تتحول بعض الجرائد ذات الصيت العالي إلى مجرد قنوات لنشر الأخبار الزائفة العارية من كل مصداقية وحقيقة,حيث يصبح المجرم ضحية والضحية مجرما,والمظلوم ظالما والظالم مظلوما,وذلك دون أن تكلف هذه الجرائد نفسها عناء البحث والتأكد من صحة ما يصلها من أخبار,بل يكفي الضغط على"إضافة خبر" لنشر جميع الأخبار,خاصة وأن الانترنت كما قلنا سابقا فضاء مفتوح أمام الجميع من قاصرين ومراهقين ومخبرين...وبالتالي يكون فتح المجال على مصرعيه أمام كل من هب ودب خطأ فادح لا يمت إلى الصحافة وعملها النبيل بصلة,و لا إلى هدفها المتمثل في نشر العلم والمعرفة عوض البحث عن الربح المادي فقط,خاصة إذا علمنا أن من بين هذه الجرائد من حازت على العديد من الجوائز القيمة في مجال الصحافة الاليكترونية ولا داعي هنا لذكر الأسماء. -غياب الضمانات للصحفي الإليكتروني: مقارنة مع "الصحفي الورقي" فالصحفي الإليكتروني معرض في أية لحظة للاستجواب والاستنطاق من قبل السلطات الأمنية أثناء تغطيته لحدث هنا أوهناك,خاصة إذا علمنا بأن أغلب الصحفيين الإليكترونيين لا يتوفرون على بطاقة تثبت هويته كصحفي أو كمراسل,مما يسمح له بأداء مهامه دون مشاكل,ويرجع سبب هذه المشكلة إلى غياب قانون منظم لمهنة الصحافة الإليكترونية,مما يجعل الصحفي الإليكتروني لا يتوفر على بعض الضمانات ولو على قلتها كما هو الشأن بالنسبة لنظيره "الورقي",ويدخل ضمن هذا الإطار كذلك غياب قانون ينظم أجور الصحفيين الإليكترونيين,إذ نجد أن أغلب هؤلاء مجرد هواة ومتطوعين,وهذا المشكل المادي يساهم على عدم أدائهم لمهامهم على أحسن وجه. هذه في نظرنا بعض العيوب التي تعرفها الصحافة الاليكترونية,والتي تبقى رغم ما قيل هي الصحافة القادمة بقوة وصحافة جيل جديد,ولأدل على ذلك تزايد عدد الوافدين عليها و"المعجبين" بها الذين أصبحوا يعدون بالملايين.