يروي الإخباريون القدامى أن سيدنا آدم عليه السلام كان يتكلم العربية الفصحى، وهو أول من قال شعرا بهذه اللغة، فبمجرد نزوله من السماء إلى الأرض في القصة المعروفة، قرر آدم أن ينطق شعرا ويقول: تغيرت البلاد ومن عليها/فوجه الأرض مغبر قبيح.تغير كل ذي طعم ولون/وقل بشاشة الوجه المليح. أرى طول الحياة علي غما/وهل أنا من حياتي مستريح. ومالي لا أجود بسكب دمع/وهابيل تضمنه الضريح. قتل قابيل هابيلا أخاه، فوا حزناه فقد المليح. وللأسف لم تكن توجد في ذلك الوقت مطابع ولم يكن الشعراء يصدرون الدواوين، وإلا كنا حصلنا على الأعمال الكاملة لجدنا الأول، وتمتعنا بقصائده المكتوبة بلغة الضاد، والمستعينة بمعجم واضح لا تعقيدات فيه، عكس حال الشعر الذي جاء بعده. بعد سيدنا آدم بآلاف السنين، ظهر زعيم عربي اسمه العقيد معمر القذافي، فكر مرة أن يزور أشقاءنا الأفارقة في مالي والنيجر، وهناك خاطبهم قائلا إن الله لا يتكلم الفرنسية، ونصحهم بتعلم العربية إن كانوا يريدون الجنة.
وللأسف قتل الثوار بمساعدة من حلف الناتو زعيمنا العربي، ولم يعد أحد يدافع عن العربية بنفس الحماس، إلى أن فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وقرر أن يعيد إليها الاعتبار وأن يعطيها المكانة التي تستحق في الإعلام العمومي، كما برز معه عروبيون وصحفيون، من بينهم العربي المساري، يباركون هذه الخطوة، ويفترضون عدوا هو الفرنسية، التي قالوا إن خلفها جيشا يدعى اللوبي الفرنكفوني، وهو الذي يحارب من أجلها ويواجه وزير الاتصال ويرمي الحجر في طريقه، كي لا تتكلم التلفزة المغربية بالفصحى.
شخصيا، أنا أحب اللغة العربية، ربما أكثر ممن يدافعون عنها، وأغار عليها وأعمل جاهدا على تجديدها كي تبقى في الكتب وفي الصحافة المكتوبة، لكني لا أعتقد أبدا أنها لغة أي شخص في العالم، ولا أي شعب ولا أي دولة، إنها لغة موجودة في المؤلفات فقط، ولا يتحدث بها أحد، مثلها مثل اللاتينية تماما، ولا تصلح إلا لأداء فريضة الصلاة وللخطب العصماء، غير ذلك لا، ولا يمكن بالمرة أن تكون لغة تواصل في التلفزيون أو الراديو، وحين يتم ذلك، أشعر أن من يتحدث بها يتصنع ومجبر على فعل ذلك، حتى الذين يتقنونها ويبرعون في التكلم بها، تحس أنهم يفتعلون ويمارسون سلطة على المشاهد والمستمع.
في لبنان ومصر حسموا في هذه المسألة، فلا أخبار ولا برامج إلا بالمحكي والدارجة، حتى شعراؤهم الكبار يكتبون بالعربية ويتحدثون إلى التلفزيون بلغتهم المحلية، التي هي اللغة الوحيدة الحقيقية، والتي يفهمها كل الناس ويتنفسونها ويحيون بها، وسيأتي وقت نقرأ فيه أنه كان في في غابر الأزمان شخص اسمه مصطفى العلوي يتكلم في التلفزيون بالفصحى، وسيصدق البعض ذلك ويكذبه آخرون، وهناك من سيعتبر ذلك من الإسرائيليات وحكيا ملفقا اندس في كتب الإخباريين.