برر أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، دعوة خطباء الجمعة إلى التصويت بنعم على الدستور الجديد لحظة الاستفتاء، بالتأكيد على أنه "لايجوز للخطبة ولا للعلماء أن يبقوا محايدين في الأمور العامة وهذا حكم الشرع". هذا التصريح الذي احتفلت به جريدة "التجديد" الناطقة باسم حركة التوحيد والإصلاح وصدرته صفحتها الأولى لعددها ليوم الأربعاء 28 مارس الجاري، ألقاه أحمد التوفيق على أسماع البرلمانيين داخل مجلس النواب، في احتقار تام للدستور والمنطق الديمقراطي.
ذلك أن حارس الهيكل الديني الذي يتربع على ثروة هائلة من أموال الأوقاف تسيرها وزارته، يخرق الدستور الجديد خرقا تاما، إذ يجيز للعلماء التطاول على مجال "الأمور العامة" التي يحمل الدستور مسؤولية تدبيرها بشكل حصري لممثلي الأمة في البرلمان والحكومة والمؤسسة الملكية. أما الجهة الوحيدة التي يمنحها الدستور حق ممارسة صلاحيات دينية بشكل حصري فهي "إمارة المؤمنين" من خلال المجلس العلمي الأعلى.
إذ لأول مرة في تاريخ البلاد تنص الوثيقة الدستورية على تمييز مبدئي بين السلطتين الدينية والمدنية للمؤسسة الملكية، التي تتقاسم الصلاحيات التنفيذية والتشريعية مع ممثلي الأمة في الحكومة والبرلمان.
الفصل 41 من الدستور يحصر الصلاحيات الدينية لإمارة المؤمنين في ضمان حرية ممارسة الشؤون الدينية وترأس المجلس العلمي الأعلى. هذا الأخير يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه الملك، و"يعتبر الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة. تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير. يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر". المشكلة أن هذا الفصل يمنح الملك نفسه صلاحية إصدار ظهير يحدد "اختصاصات هذا المجلس"، وكما أنه لا يحدد بدقة ما إذا كانت "المسائل المحالة عليه" مسائل دينية فقط أم أنها يمكن أن تطال مسائل من صميم الشأن العام أو "الأمور العامة" على حد تعبير وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. ما يعني أن تصريح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يرجح بجلاء التأويل السلفي غير الديمقراطي للدستور، إذ يوسع يصادر حقوق الشعب المغربي في تقرير مصيره بواسطة ممثليه المنتخبين في البرلمان والحكومة التي تنبثق عن الأغلبية المستحوذة على مقاعد هذا البرلمان، لصالح أشخاص لا يملكون أية شرعية للمشاركة في تقرير مصير المواطنين في أمورهم "العامة" سوى كونهم "خطبة" و"علماء". الإشكال الآخر الذي يثيره هذا التصريح الخطير لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يتمثل في ما استند عليه ليصدر هذا الحكم. التوفيق يقول ببساطة إن ما ذهب إليه من عدم حياد العلماء في الأمور العامة هو "حكم الشرع".
أي أن التوفيق يتجاوز بدون أدنى مركب نقص الدستور وجميع القوانين التي تنظم الدولة المغربية وصلاحيات مؤسساتها والعلاقات بين مختلف هذه المؤسسات، لصالح ما يمسيه "الشرع". نفس "الشرع" الذي يستعين "الخوارج" من شيوخ السلفية الجهادية (كما كان يصفهم التوفيق)، بأشد تأويلاته تطرفا ليكفروا الدولة والمجتمع بالأمس القريب.
هاهنا تلتقي، يا للغرابة، الأصولية المخزنية "الرسمية" مع أصولية الإخوان المسلمين الأمريكو قطرية! ذلك أن أحمد الريسوني، منظر حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، ذهب في لقاء له مع قناة الجزيرة قبل أيام إلى أن "الأمير إذا لم يكن فقيها فينبغي له أن يكون تحت وصاية العالم".
تناغم والتقاء ليس وليد الصدفة، فالمجالس العلمية المحلية التي يسيرها التوفيق تحفل بأطر حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية. أطر لا يتردد أغلبهم في الإفتاء في المجال العام على صفحات جريدة التجديد بما يناقض القانون والعلم والمنطق، كما فضح ذلك الأستاذ محمد الساسي في سلسلة مقالات تاريخية.
كما أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية كان بطل "الخريف الديمقراطي" إلى جانب عبد الإله بنكيران، في اللحظات التي اشتد فيها النقاش حول مراجعة الدستور السنة الماضية، حين تجند رفقة رئيس المجلس العلمي الأعلى لإصدار بيانات ترفض أي انتقاص من صلاحيات الملك التنفيذية ضدا على مطالب القوى الديمقراطية بإقامة نظام ملكي برلماني. نظام لم يكن رئيس الحكومة الحالي سوى أحد أكبر مناهضيه.