في تجربة أدبية فريدة من نوعها، أصدر الكاتب عبد العزيز العبدي، عن منشورات دار التوحيدي بالرباط، كتابا سرديا موسوما ب "كناش الوجوه"، تجري جميع أحداثه المتخيلة في المجال الإفتراضي لعالم الفايسبوك. ويقترب الكتاب الذي جاء عنوانه ترجمة عربية ساخرة للكلمة الإنجليزية "فايسبوك" من السرد الروائي الشيق دون أن ينصاع لتجنيس أدبي واضح. الكتاب الذي يقع في 154 صفحة من القطع المتوسط، يحاكي عالم الواقع، في أسلوب رشيق وبلغة راقية، مؤسسا مادته على "علاقة افتراضية مع امرأة افتراضية"، يتسلل من خلالها الكاتب، إلى عالم فسيح يسرد تفاصيل الحياة فيه وقوانينه، عالم يلوذ به الفرد لبث لواعجه أو تعقب صداقة أو حب.. أو صنع ثورة. هكذا يبدو الكتاب عبارة عن قصة لعلاقة حب من طرف واحد - هو السارد- ابتدأت وانتهت في الفايسبوك، وهي أشبه بالمونولوغ الطويل، يقطعه بين الفينة والأخرى باسترجاع جوانب من سيرته الذاتية ومن سير شخوص أخرى، دون الخروج عن التيمة الرئيسة للكتاب المتمحورة حول الفايسبوك، هذا الأفق السحري.
بخفة ودهاء وصفي مثير، يتناول الكتاب قواعد اللعب داخل عالم الفايسبوك: طلب الصداقة. قبولها أو عدم قبولها. تحديد عدد الأصدقاء في 5000 صديق مثلا. إمكانية حذف صديق. إمكانية حجب بعض المعلومات عن بعض الأشخاص. إتاحة إمكانية وضع وصلات غنائية أو فيديوهات ووضع الصور والتعاليق. نشر مقالات وعلامات "جيم".. وغير ذلك من الخيارات التي يتيحها الفايسبوك.
يقول الشاعر محمد الصالحي في تقديمه لهذا الكتاب، إنه كتاب عصي على جميع المدارس النقدية، فهو ليس رواية، ولا سيرة ذاتية ولا غيرية، وليس فيه تخييل ذاتي، كما ليس فيه "قصة"، أي سرد الحوادث مترتبة وفق تسلسل زمني صارم، مشيرا إلى أن السارد يلوذ بالمرأة، وما المرأة هنا سوى ذريعة لبث الشكوى.
ويضيف الصالحي أن "كناش الوجوه" جاء صورة طبق الأصل عن زمنه، فالأحداث الكبرى صارت بلا قائد أو زعيم. "إننا نخرج من زمنية الواحد إلى رحابة المتعدد ذي الملامح المنطمسة، فالأمكنة المذكورة في الكتاب على أصابع اليد الواحدة: الخميسات والسينغال والرباط، وهي أماكن هلامية لا يتوغل السارد في ذكر تفاصيلها". يقول السارد في مقطع يعكس أجواء الكتاب الذي يسبح في عوالم التفاعل الإلكتروني الافتراضي: "لم يكن مجيؤك للفايسبوك بحثا عن ملء دروب الوجع المنحوتة بالرغبة، ولا بحثا عن هواء ساخن يلامس بشرة تشققت ببرد الهجر، ونحيب حمام الشوق لجذب الجسد المهجور...في صعود عبر تواريخ صفحتك، أبحث عن لحظة ميلادك الافتراضي، انتبهت كثيرا لجرائمي وهي تزين حائطك، كنت ربما أسحرك بما أكتبه شغبا عن السياسة...فأضحي مسحورا بما تكتبينه بي عنك...جئت الى هنا، لأن الوطن برمته جاء الى هنا، جئت عادية، مشدوهة باللهب الذي أحرق البوعزيزي في مدينة سيدي بوزيد، جنوبتونس، كيف واصل إحراقه لهشاشة أنظمتنا ببنزين الفايسبوك..."
ولد الكاتب عبد العزيز العبدي، الذي وقع بالمناسبة عمله الأدبي الأول، سنة 1969 بمدينة وزان. وله مقالات في صحف ومواقع إلكترونية.
سيقام حفل التوقيع الأول يوم الأحد 12 فبراير 2012 بالمعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، وذلك برواق دار التوحيدي على الساعة الثالثة زوالا