"أعمى من يعتقد أن الكلمات وحدها هي ما يتداول داخل هذا الفضاء الأزرق في الفايسبوك.. نحس بضحك الآخرين، ابتساماتهم، حزنهم، رقصهم، ألمهم، امتعاضهم، كآبتهم، دهشتهم، وحبهم...". هو مقتطف من رواية الكاتب عبد العزيز العبدي "كناش الوجوه"، الذي صدر بداية هذه السنة عن منشورات دار التوحيدي، بغلاف يحمل رمز "الفايسبوك" الأزرق الشهير. تعد "كناش الوجوه" أول رواية للكاتب المغربي، هي حكاية رجل وامرأة جمعهما الفايسبوك، ومشاعر افتراضية تمكنت من البطل أكثر من البطلة .. كما جمعت بينهما الأفكار الثورية في ظل المتغيرات التي عرفتها الساحة العربية، وفي ظل الحراك السياسي الذي أشعله شباب مثلهم، فظلت تزيد في إيقاظ فتيل الحب بينهما، دون أن يلتقيا، إلا في آخر سطر من الرواية. رواية تحمل همّ الحب وهو تائه بين الحقيقة والخيال .. بين الافتراضي والواقعي، وهمّ الوطن الذي يريد شباب من نوع خاص أشعل فتيل الاحتجاجات، وثار على وضع عشش في حواضرهم، أن يعيش فيه بشكل أكثر حرية وعدالة وكرامة... تتداخل مشاعر الحب والرغبة (رسائل في علبة الفايسبوك تتضمن أغاني وخواطر)، مع قضايا الوطن ومشاكله التي يصادفها المواطن يوميا، (عقل السيارات)... مع قضايا الإنسانية (مأساة الزنوج في الماضي، ومأساة السوريين في الوقت الحاضر...)، فتعطينا إبداعا جديدا، عدم تصنيفه لا يلغي جماليته وفنيته في التشويق. الإباحية حاضرة لكن لتعطي صورة أصدق للواقع، رغم عنف اللفظ أو التعبير. يعبق النص بمقاطع سريالية تجعل القارئ يتيه بين الأفكار والأحداث ليعود لبناء سردي يتميز عن باقي الأنواع الأدبية، وهو ما أراد الكاتب أن يبصم به إبداعاته الأدبية كما سنرى في روايته الثانية "رأس وقدمان". يقول محمد الصالحي في "اللاتقديم" للكتاب الرواية، "ما هو رواية حدث، ولا رواية شخصية ولا درامية ولا تسجيلية، ولا هي قصة بالمعنى السردي المترتبة وفق تسلسل زمني صارم ... السارد في كناش الوجوه سارد "صكع" بالحمولة الاجتماعية النفسية للكلمة، والتوصيف ليس من عندياتنا، بل من عند هذا السارد نفسه". لا يفوت الكاتب أن يضمن نصه، المفعم بالذكريات، أصدقاء حقيقيون وبعضا من معاناتهم، هي معاناة ساهم الكاتب في طرحها على الفايسبوك في شكل مجموعات أو قضايا للنقاش أدلى فيها الوهميون والمستعارون والحقيقيون بدلوهم، وساهموا في تشكيل قوة ضغط معينة لإعادة الحق إلى أصحابه. ولعل برنامج "مشارف" لصاحبه عدنان ياسين أحد هذه القضايا التي كان لها تأثيرها على الفايسبوكيين، ومنها على المسؤولين لتعود الأمور إلى طبيعتها. كل ذلك في قالب سردي جديد لا ينتمي إلى أي مدرسة أدبية بقدر ما "جنوح سردي" يقول عبد العزيز العبدي. إنه إبداع أدبي بامتياز يجعل القارئ لا يلتقط أنفاسه إلا وهو في الصفحة الأخيرة، هذا القارئ الذي وإن كان سيصاب بخيبة أمل لأنه لم يرو عطشه، إلا أنه لم يندم وهو يشرب من نبع صاف من العواطف والأحاسيس طالما راودته وهو يبحر بين جدرانات أصدقائه، سواء من معارفه أو من الغريبين عنه، الذين منحهم له حسابه الفايسبوكي. القارئ ل" كناش الوجوه" يقف حتما عند نقطتين أو خلاصتين، عمق الإحساس وجرأة زائدة تستفز علاقتنا بالفايسبوك، كوافد علمي جديد أصبح لا محيد عنه، رغم ما يمكن أن نسلط عليه من انتقادات حول مدى صدقية أو وهمية ما ننشره فيه. وكل واحد منا ممن يعرف عبد العزيز العبدي وحتى من لا يعرفه، قد يجد نفسه بين شخصيات الكاتب..