المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية يقلب بعض المسلمات رأسا على عقب    أسعار النفط تهبط لأدنى مستوى لها في أربع سنوات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    3 دول إفريقية تستدعي سفراءها في الجزائر بعد اتهامها بالعدوان على مالي    تراجع حاد في أسعار النفط مع تصاعد النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة    مهمّة حاسمة للركراكي.. جولة أوروبية لتفقد مواهب المهجر استعداداً لتعزيز صفوف المنتخب    توقيف أربعيني متهم بتزوير الأوراق المالية الوطنية بإنزكان    "لكم" ينشر رسالة المهندسة ابتهال إلى زملائها في "مايكروسوفت": نحن متواطئون في الإبادة    الرئيس البرازيلي السابق "بولسونارو" يتظاهر في الشارع    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    "الاثنين الأسود".. حرب الرسوم الجمركية تُفقد بورصة وول ستريت 5 تريليونات دولار    طقس الإثنين .. أجواء قليلة السحب مع تشكل كتل ضبابية    مقابل 120 ألف يورو.. عناصر أمنية إسبانية سهلت عبور أطنان من الحشيش    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    نبيل باها: من أجل التتويج باللقب لابد من بذل مجهودات أكثر    المغرب.. قوة معدنية صاعدة تفتح شهية المستثمرين الأجانب    ابتهال أبو السعد.. مهندسة مغربية تهز العالم بشجاعتها وتنتصر لفلسطين    رئيس مجلس المستشارين يشارك بطشقند في أشغال الجمعية العامة ال150 للاتحاد البرلماني الدولي    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    الولايات المتحدة الأمريكية تحظر منتوج ملاحة في كوريا    النظام الجزائري.. تحولات السياسة الروسية من حليف إلى خصم في مواجهة الساحل الإفريقي    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    تحطم طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي.. التحقيقات تكشف إسقاطها بهجوم صاروخي من الجيش الجزائري    أمم إفريقيا : منتخب U17 يضرب موعدا مع جنوب إفريقيا في ربع النهائي بعد فوزه على تنزانيا    توقيف شخص بإنزكان بشبهة السكر العلني البين وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية خلال المؤتمر 23 لجمعية مكافحة الأمراض المعدية    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    الإيطالي 'لوتشيانو دارديري' يتوج بلقب النسخة 39 من جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس    وقفة تضامنية حاشدة في الحسيمة نصرة لفل سطين وتنديداً بالعدوان على غ زة    جدل الساعة الإضافية : كلفة نفسية على حساب اقتصاد طاقي غير مبرر    "أساتذة الزنزانة 10" يعلنون الإضراب    الرصاص يوقف هائجا ويشل حركة كلبه    تأجيل تجمع "مواليد 2000 فما فوق"    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    العربية للطيران تطلق خطا جويا جديدا بين الناظور ومورسيا    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"رأس وقدمان" للكاتب عبد العزيز العبدي تفضح عيوب المجتمع
نشر في فبراير يوم 11 - 11 - 2012

في طبعة أنيقة تتوسد صدر غلافها لوحة للفنان عبد العزيز أزغاي، أصدر الكاتب الروائي عبد العزيز العبدي عن مطبعة أبي رقراق عمله الإبداعي الثاني، بعد عمله الأول "كناش الوجوه". وقد شغل هذا العمل الإبداعي مساحة نصية بلغت 128 صفحة من القطع الصغير، واختار له كاتبه "رأس وقدمان" عنوانا وجنسه ضمن الرواية كما يدل على ذلك الميثاق الأجناسي المثبت على صفحة الغلاف.
بعد الإهداء اختار الشاعر تصديرا نثريا (épigraphe) للشاعر الكبير محمود درويش: "مادمنا لا نفرق بين الجامع والجامعة، لأنهما من جذر لغوي واحد، فما حاجتنا للدولة مادامت هي والأيام إلى مصير واحد."، وهو تصدير مغرض اختير بعناية للكشف عن الخلل العميق في البنية الذهنية للشخصيات التي تجمع بين المتناقضات والمفارقات دون أدنى إحساس بفداحة الأمر.
تتحكم في الرواية شتيمة طائشة من أم غاضبة "كنت راس واصبحت رجلين" فهذه العبارة رغم قصرها اللغوي وحيزها الصوتي القصير صنعت مصير شخصية البطل (الإبن) فكانت القوة الفاعلة الأولى التي دفعته إلى التفكير في اقتراف أحداث بعينها قصد الانتقال من القدمين اللذين يحملان معنى الوضاعة إلى الرأس الذي يحمل معنى السمو والرفعة. فالبطل الخارج من السجن حاملا انكساراته على كتفيه يرى في شامة، التي تعرف عليها في غرف الدردشة وعاش معها تجربة حب قصيرة تلتها سنتان من الفراق المفاجئ، والتي عادت إليه بعد فقدان الأمل في العثور عليها، وبعد زواجها من نجار انتهى قبل البناء، مثقلة بالندوب ومتعطشة إلى الزواج، يرى فيها حله السحري للتسلق نحو "الرأس" الاجتماعي هروب من "قدمي" الصورة التي يحملها المجتمع عن سجين سابق.
مشروع الزواج ورحلة البطل في اتجاهه كان فرصته للكشف عن الاختلالات العميقة في المجتمع، عن الندوب الصارخة في لاوعي المثقف حيث تتعايش الخرافة والعلم دون أي إحساس بالمفارقة والتناقض والانفصام.
من هنا كانت رواية "رأس وقدمان" إدانة للمثقف والمناضل والحقوقي والعلماني في تقبله للخرافة والجهل والشعوذة وممارستها (شامة ربيعة عبد الكبير القيادية السياسية في حزب يساري ...) ثم هي إدانة للنظام التعليمي الذي عجز عن استئصال الخرافات من ذهن المتعلمين كما يوضح تسائل السارد: "كيف لامرأة أفنت زهرة شبابها في التحصيل العلمي والدراسات العليا أن تؤمن بهذه الخرافات؟"
إن في لجوء الكاتب إلى اختيار شخصيات بارزة اجتماعيا، كالأستاذة الجامعية (شامة) والطبيبة (ربيعة) والمناضل السياسي المنفي (عبد الكبير) والقيادية السياسية في حزب يساري، تصميم على مناقشة هذه الظاهرة الثقافية والاجتماعية الشاذة وكشف عن حجم الانفصام الذي تعانيه النخبة الحداثية في المغرب وبيان لفداحة الواقع الفكري والثقافي الذي نعيشه. وفي تصوير الرواية لهذا العمق الخرافي المعشش في هذه الشخصيات إحساس بالخيبة بسبب انهيار المشروع الحداثي في مواجهة التخلف والجهل.
إضافة إلى خيبة المثقف في مواجهة التخلف وانخراطه فيه طوعا أو كرها أو مسايرة للانتقال إلى "الرأس" كما هو شأن البطل فإن الخيبة كانت أيضا في عجز البطل عن الوصول إلى هذه "الرأس" بانكسار سلمه إليها، حيث اختار الكاتب موتا مفاجئا لشامة دون مقدمات أو مسببات منطقية، ماتت قبل أن تعرف طالعها ويدها في كف المشعوذة "لميمة" كما كانت تسميها.
من مدارج الخيبة أيضا في الرواية قصة عبد الكبير المناضل والقيادي اليساري الذي استدرجه النظام إلى حظيرته بالوعود السياسية والامتيازات حتى فقد مكانته الرمزية في صفوف رفاقه وتم تدجينه وترويضه ليتم بعد ذلك الاستغناء عنه بمكالمة هاتفية قصيرة تلغي كل امتياز أو تعويض ليعود إلى حضن الزاوية متنكرا لكل نضاله وعلمه.
إن رواية "رأس وقدمان" تمتح من المرارة والحزن واليأس من أي تغيير محتمل، رواية جاءت لتسائل واقعا مريرا تملأه الثقوب وتمزقه الندوب وتحوطه الخيبات. هي صرخة إدانة وجرس تنبيه في وجه ما تم التطبيع معه اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، ليصبح موت شامة المفاجئ كغيابها المفاجئ موت مجتمع لا ينتبه إلى ذاته ولا يفحص عيوبه ولا يعرف مفارقاته وتناقضاته.
على المستوى الفني اتكأ الكاتب عبد العزيز العبدي على بناء سردي واضح السمات، ينبني على تنظيم منطقي، تترابط أسبابه ونتائجه بروابط رفيعة، كما وظف الكاتب تقنيات عديدة كسر بها التنظيم الزمني التعاقبي، فقد استثمر المشهد، من خلال الحوارات القليلة، ووظف الحذف والتداعي والاسترجاع لتأثيث السرد وإحكام صنعته. أما اللغة فقد استدعى الكاتب معيارين، أحدهما شعري يتسم بالكثافة والانزياح، يرقى باللغة إلى أعلى درجات الشعرية مما أغنى الرواية بصور مبتكرة. أما المعيار الثاني فوصفي سردي اتسم بتقريرية ضرورية للرواية ومناسبة لها قصد تقديم الحكاية.
قد لا تفي هذه الورقة بإضاءة كل ما في الرواية من قضايا وإشكالات وتقنيات لكن حسبها أنها لامست متنا سرديا جديرا بالقراءة لما يمنحه لقارئه من متعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.