كتاب "باريسمراكش " للصحفيين علي عمار و جان بيير تيكوا و الذي يقدمه صاحباه على أنه غوص في أسرار العلاقات المغربية/الفرنسية و تحقيق عن حياة البدخ التي يعيشها رجال السياسة و الفن و الإقتصاد الفرنسيين في مراكش، هو في نهاية المطاف كتاب لا يغني و لا يسمن من جوع. فالكتاب في جزء كبير منه ، و خصوصا في فصوله الخمسة الأولى، لا يحمل جديدا و لا يختلف عن التحقيقات العديدة و المتتالية التي قدمتها القنوات الفرنسية ك"إم 6" و"تي إف 1" والمجلات الشعبية ك "في إس دي" و "كالا" وعن حياة الترف و اللهو في مراكش و كيف يفضل المشاهير و الأغنياء في فرنسا قضاء عطلهم في مراكش ، أو كما يسميها صاحبا الكتاب "الدائرة الواحدة و العشرين لباريس" ( العاصمة الفرنسية باريس، مقسمة إلى 20 دائرة إدارية). فكل من يتابع القنوات الفرنسية، سيكون قد شاهد حتما تحقيقات تتشابه و تتناسخ حول الرياض و الفنادق الفخمة و الفيلات في مراكش و التي يتخدها أصحاب الثراء و النفوذ و الشهرة في فرنسا قبلة لهم، و عن الفضائح الجنسية التي تورط فيها مواطنون فرنسييون أثناء سفرهم أو اقامتهم في مراكش.
"باريسمراكش" لعمار و تيكوا ينسج في جزء كبير منه على نفس المنوال حيث يعيد تقديم ما شاهدناه و ماقرأناه في صيغة كتاب من 200 صفحة، نخرج منه كما دخلنا إليه ، بدون أن نستفيد أو نعلم شيئا جديدا. فجل ماجاء في الكتاب من معلومات عن العلاقات السرية بين فرنسا و المغرب هي إحالات و اقتباسات من مقالات و تحقيقات سبق نشرها في صحف و جرائد فرنسية كلوكانار إنشيني و بقشيش أو مغربية كتيل كيل أو اكتيال. عذر الكتاب في هذا، أنه موجه أساسا إلى القارئ الفرنسي العادي، الذي لا يعرف الشيء الكثير عن المغرب و مراكش و هي مناسبة لهذا القارئ أن يطلع أكثر عن طبيعة العلاقات التي تربط بين العديد من القادة السياسيين الفرنسين و المغرب، و خصوصا في الظرف الحالي المتميز بالحدة و الشراسة في النقاش مع إقتراب الإنتخابات الرئاسية في فرنسا. غير أن القارئ المغربي ، هو ربما غير معني كثيرا بما جاء في الكتاب لأن أغلب ما فيه معروف و مكرر و كتبت عنه الصحافة المغربية مرارا.
يشتمل الكتاب على أحد عشر فصلا، الخيط الناظم بينها، كما يؤشر لذلك عنوان الكتاب، هو المحور الذي يصل بين مدينتين : باريس و مراكش. العلاقة بين هاتين المدينتين متشابكة، يرتبط فيها التاريخي، بالسياسي، بالإقتصادي، و هي نموذج رمزي للعلاقة التي تربط المغرب بفرنسا، و التي يحاول الصحفيان تفكيكها عبر وصف شبكة المصالح التي تربط البلدين و حكامهما. يحكي الكتاب مثلا كيف أن العديد من رجال السياسة و أصحاب النفوذ في فرنسا يمتلكون عقارات و منازل فخمة في مراكش، إبتداء من دومينيك ستراوس كان و زوجته أن سان كلير ، و مرورا بالكاتب برنار هنري ليفي، الذي يملك شبكة معارف و نفوذ هائلة في فرنسا و وصولا إلى بيير بيرجي أحد أهم المساهمين في يومية لوموند. الرئيس نيكولا ساركوزي معتاد أيضا على قضاء عطله في مراكش، حيث ينزل هو و زوجته كضيفين خاصين عند الملك محمد السادس في اقامته المعروفة بجنان الكبير. ضيوف الملك، حسب صاحبي الكتاب، ينزلون أيضا في فندق رويال المنصور بمراكش، الذي يعتبر من أكثر الفنادق ترفا و رفاهية في العالم، حيث أن الليلة الواحدة في الرياض الشرفي من هذا الفندق المكون من تلاثة و خمسين رياضا، تكلف أكثر من 34 ألف يورو ( حوالي 350 ألف درهم).
هذا الرياض الشرفي المخصص لضيوف الملك و "لأصدقاء المغرب" كما يسميهم صاحبا الكتاب، كان قد فتح أبوابه للرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي و زوجته كارلا ، و للرئيس السابق جاك شيراك، و هو جوهرة هذا الفندق الفخم، الذي لا تعرف كلفة بنائه و تصميمه و الذي تمتلكه شركة سيجر، التي تدير استثمارات و ثروة الملك محمد السادس.
يعود علي عمار و جان بيير تيكوا إلى ما تطرقت إليه مرارا و تكرارا القنوات و المجلات الشعبية الفرنسية حول الجنس في مراكش و الفضائح التي تحدثت عنها بإسهاب الصحافة الفرنسية و المغربية. في فصل تحت عنوان "بلد لوط الجديد" ، يحكي الصحفيان كيف أن الدعارة بجميع اشكالها مستفحلة و منتشرة في مدينة مراكش بما في ذلك الأطفال الذين لم يفلتوا من تلك الظاهرة، مذكرين بما حكاه وزير التعليم الفرنسي الأسبق لوك فيري في برنامج تلفزي ، على أن وزيرا فرنسيا سابقا كان قد ضبط في حالة تلبس و هو يمارس الجنس مع قاصرين، و كيف أن تدخلا من السفارة الفرنسية قد أنقذ هذا الوزير من الورطة التي وقع فيها. في هذا ألفصل من الكتاب، يذكر الصحفيان مجموعة من الفضائح الجنسية التي وقعت في مراكش تورط فيها مواطنون فرنسيون كحالة هيرفي ل.ج. الذي ضبط على رأس شبكة واسعة و دولية لدعارة الأطفال و القاصرين، كان من بين زبنائها سياسيون و أعيان و أغنياء فرنسيون و مغاربة، حيث وجدت الشرطة المغربية في حاسوب هيرفي ل.ج أكثر من 117 ألف صورة و شريط بورنوغرافي جل "أبطالها" من القاصرين المغاربة. جل ماورد في هذا ألفصل مأخوذ من مقالات و تحقيقات تلفزية معروفة، ماعدا واقعة رواها رجل أعمال سويسري لأحد مؤلفي الكتاب، عن عشاء فاخر و خاص نظمه مصمم أزياء باريسي في أحد المطاعم المشهورة في مراكش، حين أوتي بقاصر محمولا فوق عمارية، و قدم للمدعويين كتحلية (dessert).
في كتاب "باريسمراكش" يخصص الصحفيان حيزا كبيرا للوبي المغربي في فرنسا و كيف يتحرك و يعمل من خلال نسج شبكة علاقات شخصية و مهنية مع صناع القرار في باريس. و هكذا ، يحكي الكتاب كيف أن أولى الوشائج هي شخصية و عاطفية ، تضرب جذورها أحيانا في طفولة و ذكريات بعض من السياسين الفرنسيين. فالعديد من هؤلاء قد ولدوا أو تربوا في المغرب كدومينك دو فيلبان، دومينيك ستراوس كان و إريك بيسون (وزير الصناعة) أو هم من أصول مغربية كرشيدة داتي، أو الشابة نجاة فالو بلقاسم الناطقة الرسمية بإسم فرنسوا هولاند، المرشح الإشتراكي لرئاسة فرنسا. توسيع شبكة "اصدقاء المغرب" و تقويتها، حسب صاحبي الكتاب، هي من أولى الأوليات عند البلاط و مستشاري الملك ، حيث أن توشيح العديد من أصحاب النفوذ في فرنسا بأوسمة ملكية تدخل في باب توطيد اللوبي المغربي في باريس. وهكذا نجد أن الرئيس ساركوزي، و مستشاره بريس هرتوفوه و وزراء كفردريك ميتيران ، و سياسين من اليسار كايمانويل فالس و دومينيك ستراوس كان ، و اعلامين كإييتيان موجوت ( مدير جريدة الفيغارو) و رجال أعمال مثل كارلوس غصن (رئيس شركة رونو ) و جان بيير فورتو ( رئيس شركة فيفندي)، و اخرون، كلهم كانوا قد قلدوا أوسمة مختلفة منحها اياهم المغرب، كعربون للصداقة و كطريقة لضمان دعمهم و مودتهم. نجاح اللوبي المغربي في فرنسا، حسب عمار و تيكوا ، يظهر مثلا في الدعم المطلق من قبل باريس للمغرب في قضية الصحراء و كيف أن السياسيين و الوزراء الفرنسيين لا يتوانون في كيل المديح و الثناء للسياسة التي ينهجها الملك محمد السادس.
غير أن هاته العلاقة، لها وجهها الأخر التي يحكيها الكتاب، عبر الإمتيازات و المصالح التي تتمتع بها مجموعة من الشركات و المؤسسات الفرنسية في المغرب. ففي فصلين من الكتاب، ربما الأهم و الأحسن فيه، يحكي علي عمر و جان بير تيكوا عن مجموعة من الصفقات المربحة إقتصاديا لفرنسا و التي مررت في ضروف غامضة وغير شفافة إلى شركات فرنسية، نظرا للتأثير الذي تحظى به لدى صانعي القرار في المغرب. حيث يعود الكتاب إلى صفقة بيع 35% من أسهم إتصالات المغرب إلى الشركة الفرنسية فيفندي مقابل ملياري يورو ، و كيف أن الدولة المغربية ، رغم أنها مازالت رغم البيع أكبر مساهم في إتصالات المغرب، فقد سلمت إلى فيفندي حق التسيير و تقسيم الأرباح، و ذلك لسبب لم يكشف عنه انذاك : عجز الدولة المغربية عن تمويل الميزانية العامة للبلاد، دفعها لقبول تسبيق مالي كبير من فيفندي مقابل التنازل عن الحق في تسيير إتصالات المغرب، التي أصبحت فيما بعد، بقرة حلوب للشركة الفرنسية. يروي الكتاب أيضا بإسهاب كيف بسطت الشركات الفرنسية المختلفة يدها في مختلف الأنشطة المالية و الصناعية و في قطاع الخدمات في المغرب مستفيدة من شبكة العلاقات المتميزة التي يتوفر عليها السياسيون و رجال الأعمال الفرنسيون في المغرب.
الفصول الأخيرة من الكتاب هي أضعف و أفقر ما فيه، حيث يتناول عمار و تيكوا ما وقع في المغرب في السنة الفارطة من تحولات سياسية، و حراك في الشارع و إنتخابات حملت الاسلاميين إلى الحكومة، و كيف تعاملت فرنسا مع كل هذا. في هاته الفصول كثير من التحامل، و سوء النية، و تصفية الحسابات الشخصية ( مع إدريس اليزمي و اندري ازولاي مثلا ) و تهويل للخطر الإسلامي تارة أو اعتبارهم أداة في أيدي القصر تارة أخرى، و تبسيط في التحليل و إختزال للموقف مما يحمل على القول أن كتاب "باريسمراكش" هو موجه للقارئ الفرنسي أساسا، لا إلى القارئ المغربي.