لا أحب الراب، لا أستمع إليه، ولا أستسيغ كلماته، ولا يطربني...أحترم الشباب الذين يطربهم، ويرقصون على نغماته وصرخاته، ويحملونه آمالهم وآلامهم، أعتبرها مسألة أذواق تختلف بين بني البشر، وربما مسألة أذواق بين جيلين مختلفين... أحب فيروز، مارسيل خليفة، الشيخ أمام عيسى والغيوان، استمع لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وأسمهان، واعشق لينا شامميان وكريمة الصقلي وكاظم الساهر، كما انتشي بالاستماع للحاجة لبيضاوية والشيخة الريمينتي والمرحوم رويشة وغيرهم كثيرون...
هي مسألة أذواق لا غير...لا دخل فيها للايدولوجيا، ولا لشكل التفكير ولا لوعي ما...
سياق ما سلف، هو اعتقال الشاب معاذ بالغوات مرة أخرى، والتهمة هذه المرة أكثر وضوحا وأكثر انزياحا عما سلفها، إذ أنه في السابق ، تمت فبركة معركة مع مهاجر مغربي، اتهم فيها معاذ بالتسبب له في جروح وكدمات، اتضح خلال مراحل المحاكمة أنها أقاويل باطلة وأن المستهدف هو حركة العشرين من فبراير في شخص من تعتبرها أيقونتها الغنائية...هذه المرة، جاءت التهمة بلباس الرأي الصريح، الإدارة العامة للأمن الوطني ترفع شكاية ضد المغني بسبب أحد أغانيه التي يفترض فيها أنه يسب الضابطة القضائية وجهاز البوليس...
لم أجد كلمات الأغنية في الشبكة العنكبوتية، لكنني أحاول تصور أقسى ما يمكن أن يغِنيه الحاقد، وأسترجع بعض أغانيه التي سبق له أن ألفها وفيها إيحاءات كبيرة وشبه مباشرة للملك وللمؤسسة الملكية، والتي يعتقد الكثيرين أنها كانت سببا في اعتقاله سابقا، وليس الشجار مع المهاجر المغربي في الديار الإيطالية... لم تجرؤ الدولة على متابعته لحظتها بما يمكن أن يشي بمصادرة حرية التعبير، نظرا للمد الذي كانت تعرفه حركة العشرين من فبراير، والشارع بشكل عام، تفاعلا مع الربيع الديمقراطي الذي شهدته بلدان عديدة، لكنها ورغم فبركتها للتهمة السطحية التي أودت به السجن، إلا أنها احتفظت ضده بغصة في حلقها لحين آخر...حين مرور الزوبعة...
الاعتقال الجديد للحاقد، جاء بذات الغصة، غصة الانتقام والتضييق على حرية الإبداع والفكر...لكنه جاء سافرا ومدويا، معلنا انتهاء أكذوبة الربيع العربي، وقوة العشرين من فبراير، وتكريس الاستثناء المغربي، دولة بنظام متحكم وقوي، وشعب خانع ومنقاد، تتخلله بعض الحثالات التي يجب تربيتها وتقليم أظافرها...سيكون الحاقد بداية تطهير لن ينتهي...
سلوك الدولة هذا صادر عن إحساس بالانتصار، وضغينة مبطنة للانتقام من كل الأصوات التي علت سابقا تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية ، وهو إحساس طفولي وغير ناضج، ستظهر انعكاساته قريبا، حين ستتعالى أصوات الإدانة الدولية ضد اعتقال شاب لم يفعل سوى أنه غنى...مهما كانت بذاءة ورداءة كلماته...
ستبدو انعكاساته أيضا، حين تتعب الرتوشات التي اتخذت عناوين للإصلاحات، ويصطدم موظفو صاحب الجلالة، بمحاسبة منتخبيهم، لأنهم لم يتمكنوا من ثقب جدار التهميش الممارس على الأجهزة التنفيذية من طرف الدولة الفعلية، المجسدة في الملك وفي حكومة الظل التي تسير بشكل فعلي البلاد والعباد...
لن نصدق أن الإدارة العامة للأمن الوطني هي من رفعت الدعوى ضد الحاقد، الذين أوعزوا لها بذلك يضعونها في تقابل مع عطش المغاربة للحرية والإبداع والغناء...سيصدر حكم على بلغوات الحاقد، وسيمضي مدة سنجه كما يشاء، بالمقابل ستنتشر أغانيه, وأغنية التهمة بالضبط ما سيبحث عنه المغاربة...سيغنيها الأطفال والشباب والنساء، وسيصدقون كلماتها لسبب بسيط، أن التاريخ علمنا أن الحق والاضطهاد مترافقان...
دون ذلك يؤسفني أن الدولة تنتشي باعتقادها أنها انتصرت...