يبدو الطيب أردوغان بمثابة رجل العناية الإلهية بالنسبة للشرق الأوسط وشرق المتوسط. كما يبدو رجلا معافى، قادرا على تحرير تركيا من ذاكرتها العثمانية المتماوتة. فالرجل استطاع أن يثير إحساس شعوب المنطقة العربية، في عز الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني في غزة، وكان لخروجه غاضبا من الإسرائيلي شمعون بيريس في ملتقى دافوس الصدى الكبير الذي جعله رمزا للعرب أنفسهم.
كما أن تركيا لم تعد تخفي إصرارها على استعراض القوة في المنطقة المتوسطية. وتبين ذلك مع مطلع شتنبر الجاري عندما أعلنت أنقرة أنها ستقوي من وجودها البحري ومن تحركاتها البحرية في شرق المتوسط. وتزامن ذلك مع التوتر الحاصل مع اسرائيل، لا سيما بعد أن رفضت تل أبيب تقديم الاعتذارات عن قتل جنودها لمواطنين أتراك في السنة الماضية عندما تعرضت باخرة المساعدة لأبناء غزة لهجوم من طرف القوات الإسرائيلية.
ورفعت تركيا من قواتها عندما أعلن السلطان أردوغان عن قرار مرافقة البواخر الحاملة للمساعدات إلى غزة من طرف البواحز العسكرية والحربية. وهو ما يعني أن أردوغان لا يستبعد المواجهة إذا ما أرادت تل أبيب الهجوم مجددا على سفن المساعدات الإنسانية. ويتزامن الحضور التركي المتزايد مع الإعلانات التي تستهدف الاحتلال الاسرائيلي ومحاولة السطو على الخيرات البحرية في شرق المتوسط. فقد قالها أردوغان صراحة، وهو يتحدث عن «حق تركيا التاريخي في مياه شرق المتوسط»، وحقها في مراقبتها والدفاع عنها.
أردوغان يريد أن تصبح بلاده قوة إقليمية، ولهذا يرى في التوجه نحو مصر وليبيا وتونس، مقدمة للحلف العربي التركي ضد إسرائيل، وهنا شعوب المنطقة، التي هيأت له ردا يفوق الوصف، تقف موقفا إيجابيا.. من طموحات تركيا في وجه إسرائيل
لقد ذهب حاكم مصر الذي كان يشكل سورا لإسرائيل، ولم تستطع السعودية لحد الساعة أن تلعب دورها الإقليمي الكلاسيكي وتراجع نفوذها للغاية، الشئ الذي يسمح لتركيا أن تعد طموحها الاستراتيجي في المنطقة.
استراتيجية تركيا المعروفة «بصفر مشاكل مع الجيران، تستثني إسرائيل للتقرب من الأنظمة الجديدة، وشرق المتوسط سيكون جديا، كما أن تضامن الدول الجديدة ستكون لفائدة أنقرة في حربها مع إسرائيل في المجال الطاقي والغازي. شرق المتوسط غني بالثروات البحرية، لاسيما الغاز، والبترول..
وتسعى تركيا إلى منع إسرائيل من استغلال أحادي لهذه الثروات، وستكون في حاجة الى دول المحيط المتوسطي.
تركيا ترسم ديموقراطيتها الداخلية وانتصارها الداخلي، بحيث تقدم نموذجا للمنطقة من خلال الاعتدال والموقف الوطني ودعم الحركات الثائرة. فقد كان موقفها حماسيا لفائدة الثورات في مصر وتونس وليبيا، كما أنها رفعت غطاءها الاستراتيجي عن نظام الاسد، وبدأت تستقبل وتحصن الثوار والمعارضين الذين قدموا إلى ترابها.. عمود "كسر الخاطر" ينشر في "كود" باتفاق مع الكاتب 9/17/2011