ماذا يقعل بشار الأسد في سوريا الآن؟ ماذا يفعل معمر القذافي في ليبيا اليوم؟ ماالذي يريد أن يفعله علي عبد الله صالح في اليمن هذه الأيام وهو الذي يقول إنه عائد بأي ثمن إلى البلاد؟ لايسلم الكرسي الرفيع من الأذى حتى يراق على جنباته الكثير من دم الشعوب التي صدقت قناة "الجزيرة", وآمنت أن ماوقع في تونس ومصر يخول لها على الأقل أن تطالب بالمثل: أن يرحل الكبير القابع على الكرسي منذ عقود طويلة وأن تجرب الشعوب حظها من جديد. "بحال شي واحد كيعاود التعازيلة من الأول", دون أن يعرف ما الذي ستحمله له هذه "التعازيلة" من مفاجآت قد تكون سارة وقد تكون محزنة, لكنه يقول لنفسه "نجرب وبعدها ليكن مايريد أن يكون".
الشعوب تعرف جيدا أن ماوقع في مصر وتونس ليس ثورة شعبية بالمعنى الدقيق للثورة الشعبية. لايمكن أن تصدق أن الثورة قامت ونجحت بالفعل في مصر الكنانة مثلا وأنت ترى المشير الطنطاوي وبقية جنرالات حسني مبارك وهم يحكمون بر المحروسة إلى اليوم. لايمكنك أيضا أن تصدق أن بن علي انتهى هو ونظامه وأنت تعرف أن رجلا مثل فؤاد المبزع ظل عنوانا حقيقيا من عناوين البنعليين لسنوات هو الذي يحاول اليوم أن يجر تونس إلى "بر الأمان". الشعوب تعرف كل هذا جيدا, ولا وهم لديها. هي فقط تريد القليل من التغيير. أن يحكمك رجل منذ أن تولد وإلى أن تبعث حيا أمر يبعث فعلا على القرف من كل شيء. مسألة تدفعك إلى التساؤل إن كان الخطأ فيك أنت الذي لم تجد شخصا غير الأخ لكي يبقى تاج رأسك منذ أن أتيت وإلى أن ترحل, أم أن "الفالطة" فيه هو الذي لم يفهم نهائيا الدعاء الجميل بالرحمة لكل "من زار وخفف". ثم هناط هذا المناخ العالمي الذي نحيا فيه اليوم والذي أصبح لفرط "البارابول" المحيط بنا من كل مكان صغيرا للغاية, وقادرا على أن يعطينا أخبار الآخرين باستمرار. ولدى الآخرين لايقع ما يقع لدى العربان نهائيا. لدى الآخرين تأتي أجيال وتذهب أخرى, ونرى رؤساء صغارا وهم يصعدون وحماس الرغبة في الوصول يرافقهم, ثم نراهم وهم يمارسو والخيبات والإخفاقات ترافقهم, ثم نراهم بعد الوصول إلى نهاية المسار ينسحبون, بفضل الصناديق أو بسببها إلى الوراء تاركين مقدمة المشهد لآخرين غيرهم يأتون مجددا بنفس حماس الشباب, وهكذا دواليك. لذلك هم لايتحدثون في العالم الحر والمتقدم عن "ضرورة تجديد النخب السياسية". هم يجدونها وحسب. تخلق أجيالهم الجديدة نخبها, تصنع صوتها, تفرضه بكل الطرق الحضارية الممكنة, وحين يأتي أوان اختفاء هذا الصوت لا يترك الفراغ وراءه, بل يترك المكان لصوت آخر قادر فعلا على ملء كل المكان.
لذلك عندما نرى طبيبا شابا مثل بشار الأسد, تخصصه مداواة العيون, أي أنه يلعب بمشرط الجراح بين الرموش ويتفادى الوصول بها إلى العمى, وهو يفعل بشعب سورية اليوم مايفعله, تتساءل "فين كاين المشكل بالتحديد؟" هل هو مشكل جينات تجعل صغار الحاكمين يرثون القتل عمن سبقوهم؟ أم هي الرغبة المجنوة في الحفاظ على الكرسي والتي حركت العالم كله وصراعاته منذ الأزل القديم؟ أما عندما ترى معمر القذافي ومافعله ببلد غني للغاية هو ليبيا, لاتجد كلمات لكي تصوغها على شكل أسئلة. تهرب مثلما تفعل الأغلبية إلى السخرية من الرجل ومن نكته الكثيرة, ومن الألفاظ التي يخترعها ومن خطب "الطزطزات" التي يمطر بها العالم أجمعو لكنك وبعد أن تنتهي تشعر بحزن عميق لأن الذي كنت تسخر منه كل هذا الوقت أمضى مايقارب الأربعين سنة على رأس شعب بأكمله لم يستطع أن يصيح غضبه إلا هذه الأيام. شيء ما يفصلنا عن العالم الحديث. شيء ما...لعله التخلف, لعلها الرداءة العامة المسيطرة على كل الردهات. لعلها رغبة شعوبنا في الإبقاء على "أضعف الإيمان" هي التي تخشى فقدان "العيش الكريم" الذي ترفل فيه. لعله إيماننا أننا فعلا نحيا مانستحقه لا أكثر ولا أقل. لكن التسليم بكل هذا لايمنعنا من التأمل في مشهد الآخرين, من يحكمون هذه الشعوب, وهم يقترحون عليها خيارا واحدا من إثنين: أن أحكمكم أو أن أقتلكم.
بشار اليوم ومعمر وعلي والبقية باستثناء من رحم ربك, وتسللت بعض الرحمة إلى قلبه تجاه الشعوب وتجاه مصائر البلدان ومستقبلها, مجرد عناوين لمرحلة نحياها في ركننا المظلم على هامش كل شيء يقع في العالم الحديث. في نهاية هذه المرحلة, قد ندخل المجهول, قد نبقى في المعلوم الذي تعايشه شعوبنا منذ القديمو وقد نعثر على ضفة أخرى بين الضفتين تستضيف جهلنا وخرافاتنا وتخلفنا لحظات أخرى من الوقت.
لكننا في الختام سنظل خلف كل السائرين أماما في العالم اليوم. سنظل في المؤخرة, ومايقع لن يسهم في زحزحتنا من هذه المكانة, بل ربما سيزيدنا التصاقا بها مزيدا من الوقت, ومزيدا من الموت للأسف الشديد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق من المسؤول عن الاختيارات البرامجية للقنوات التلفزيونية المغربية؟ جهة ما, شخص ما, أو جماعة من الناس عليهم أن يمتلكوا مايكفي من الجرأة أو "الوقاحة" (على حسب) لكي يأتوا قبيل رمضان الفضيل ويعلنوا البرامج التي سيقدمونها إلى المغاربة, ويعللوا اختياراتهم, ويعطوا مبررات هذه الاختيارات في ندوة صحفية أو ماشاشبه مما كانت تعمل ب القناة الثانية "دوزيم" في وقت سابق حين كان يسيرها أناس ينتمون فعلا لعالم التلفزيون. مصيبة تلفزيوننا هي أننا لانعرف من يقرر لنا الكوارث التي نشاهدها عبره. المغاربة بغاو يعرفو غير شكون, باش حتى يلا سبوه مايكونوش غالطين