يدهشني السيد امحمد الخليفة ويثير استغرابي، ليس بقدرته على الحديث في كلّ القضايا بما فيها التي لا يفهم فيها أكثر مما يفهم الفخّار في صناعة الحرير، بل أيضا عندما يتحدّث بدون أن يخجل من نفسه باسم المغاربة في غيابهم، وهي عادة سيئة اكتسبها من ثقافة حزبه الذي عاش عقودا على هذا الوهم الكبير. فلنضع في غربال النقد بعض ما قاله السيد الخليفة في برنامج حوار يوم الثلاثاء الماضي: قال إن ترسيم الأمازيغة سيؤدي إلى حرب بين المغاربة، وأن الأمازيغية لهجات متفرقة وينبغي أن تبقى كذلك، وأن حرف تيفيناغ حرف فينيقي لا شرعية وطنية له، وأنه لا يجوز الإستفادة من معجم اللغة الأمازيغية المتواجد في بلدان أخرى في شمال إفريقيا، وأن الخليفة وحزبه لا يجهلون تاريخ المغرب، وأن حزب الإستقلال هو "الحزب المظلوم" بعد أن "حرّر البلاد"، وأنه حزب "مع الملكية بدون حدود"، وأن إقرار المغرب دولة مدنية أمر مرفوض، و أن الدعوة إلى تصحيح التحريف في أسماء الأماكن أمر غير مقبول، وأن حزب الإستقلال سيحصل على الأغلبية في الإنتخابات القادمة لأن هذا أمر بديهي !!؟ فلنفحص هذه المعميات الواحدة تلو الأخرى، والتي تفسر بوضوح كيف أصبحت السياسة في وجدان المغاربة ووعيهم مرادفة للكذب واستغفال الجمهور.
ترسيم اللغة الأمازيغية: قام السيد الخليفة بتمييع مقصود لموضوع توحيد اللغة الأمازيغية، وهي نفس الطريقة التي يعتمدها عمدة فاس في التضليل واللعب بالكلمات، عندما قال مرة في حوار تلفزي متحدثا عن القوى الديمقراطية "إنهم يريدون "العقلانية" وهي نفي الغيب وإرادة الله ونحن قوم مؤمنون بالله"، وهي نفس الطريقة التي انتهجها زعيمهم علال الفاسي عندما قال مخاطبا جمهورا من العمال الأميين: حزب الشورى يعني أنهم "باقين كايتشاورو على الإستقلال واش بغاوه أو لا " فعادة التدليس والمغالطة والتعتيم وخلط الأوراق هي إذن عادة متداولة في هذا الحزب منذ بدايته، وكذلك فعل الخليفة سيرا على نهج سلفه، فترسيم الأمازيغية هو أن تتوصل أنت الناطق بالعربية بمراسلة إدارية بالعربية وتأتي لزوجتك الأمازيغية مراسلة أخرى بالأمازيغية، وهذا غير معقول طبعا، هذا التنكيت الذي لا يدلّ على الجهل ولكن على دهاء سياسي غير نزيه وأقرب ما يكون إلى الشعوذة، المقصود منه تنفير الجمهور وتخويفه، بينما يعلم الجميع أن ترسيم لغتين يعني أن تكون بهما معا المراسلات والنصوص الإدارية في المؤسسات، وهذا لا يضرّ أحدا بل لا يؤدّي إلا إلى نتائج إيجابية، فالذي لا يعرف الأمازيغية سيقرأ النص العربي ، والعكس، وهو أمر متداول في العالم الديمقراطي ولا لبس فيه. وفي الوقت ذاته فاختزال ترسيم الأمازيغية في المراسلات الإدارية هو في حدّ ذاته نوع من التضليل المكشوف الذي لا طائل من ورائه، فالمطالبون بترسيم الأمازيغية لا يعتبرون المراسلات الإدارية أولوية مستعجلة، بل الهدف من الترسيم هو ضمان الحماية القانونية لمشروع النهوض بالأمازيغية في كل القطاعات من تعليم وإعلام وقضاء وكذا قطاع الصحة، والكتابة بها في الفضاء العمومي وعلى واجهات المؤسسات العمومية والشركات والمحلات والجمعيات، هذه هي أهداف الترسيم الأولية، أما المراسلات الإدارية فستأتي بالتدريج مع تكوين الأطر الكفأة كما تمّ في العربية والفرنسية. ففي بداية الإستقلال لم يكن لدى الدولة في المصالح الإدارية العدد الكافي من الموظفين الذين يتقنون صياغة مراسلات بالعربية ، وتمّ ذلك بالتدريج بفضل تعميم تعليم العربية. فمهاترات السيد الخليفة باطلة من أساسها في هذه النقطة، وكان يجدر به دراسة الموضوع من مختلف أوجهه والإطلاع على مذكرات الأحزاب المغربية الديمقراطية.
توحيد اللغة الأمازيغية: في هذا الموضوع بدا السيد الخليفة كالناقة العشواء التي تخبط على غير هدى، وارتكب أخطاء بالجملة لأن حزبه لا يتوفر على أي ملف يتضمن المعطيات العلمية الصحيحة المطلوبة، حيث ظلّ الإستقلاليون يركنون إلى التخمين والإشاعة عوض استقاء المعلومات من خبراء اللسانيات الأمازيغية ومختصّي هذه اللغة والعاملين في تهيئتها يوميا. فالتوحيد لا يعني قتل اللهجات التي هي حية في المجتمع يتخاطب بها الناس يوميا بل هو إغناء لها، والحل الوحيد للإبقاء على اللهجات والحفاظ عليها هو تدريس اللغة الموحدة، والذي يريد للأمازيغية أن تبقى لهجات متفرقة هو من يسعى إلى إبادتها التدريجية. والسؤال المطروح على الخليفة ومن معه هو التالي: هل تمّ الإطلاع على منهجية توحيد اللغة الأمازيغية التي اتبعت منذ سنوات ؟ وهل تمت قراءة دروس الكتاب المدرسي ونصوصه ؟ وهل تمّ الإطلاع على تجارب شعوب أخرى في توحيد لغاتها التي كانت عبارة عن لهجات متفرقة وأصبحت اليوم لغات موحدة ورسمية ؟ كيف تمت عملية التوحيد في هذه الدول، هل يمكن توحيد لغة ما بدون جمع معجمها من مختلف المناطق، كيف تمّ جمع اللغة العربية خلال القرن الثاني الهجري من طرف اللغويين ؟ أليست المترادفات في العربية عبارة عن مفردات تحيل على التنوع اللهجي للقبائل العربية، والتي تمّ جمعها في معجم واحد بعد ذلك بمجهود اللغويين ؟ هل يعرف الخليفة شيئا عن هذا الموضوع، بالطبع لا يعرف لأنه تحدث في موضوع لا يفقه فيه شيئا. فالقول إن جمع كلمة من تاريفيت بجانب كلمة من تامازيغت و أخرى من تاسوسيت أمر غير مقبول، يطرح السؤال عن مبرر الرفض ومعياره، لماذا نرفض أن نجمع لغة يعتبرها الخليفة نفسه وطنية ؟ ولماذا نرفض أن يعرف المغربي اللغة الأمازيغية ككل، ولماذا نريد له أن يبقى متقوقعا في اللهجات المحلية ؟ بالطبع لكي نقول له فيما بعد إن اللغة العربية هي وحدها اللغة الحقيقية ولغة الجميع، والأمازيغية لهجة السوسي أوالريفي أوالأطلسي، أي لهجات "الشلوح" المحلية، وهذه أطروحة سقطت وانتهت بالتقادم بعد خطاب أجدير 2001، والذي نتج عنه عمل جبار أنجز على مدى العقد الأخير. يستشنع الخليفة أن يقوم الباحثون اللسانيون بجمع المفردات من دول أخرى كالجزائر ومالي والنيجر، وقد نسي بأن العربية تم جمعها بنفس الشكل، فكلمة الطائرة والحاسوب وغيرها من الكلمات في العربية الحديثة أبدعتها مجامع اللغة العربية في الشرق (سوريا مصر لبنان) وتبناها المغاربة، لأن للعربية "وطن" هو كل هذه البلدان، وكذلك الأمازيغية فهي موجودة في "وطنها" الممتد من جزر كاناريا إلى واحة سيوا بمصر، فلماذا نحرم على الأمازيغية ما نحلله للعربية. إنّ من حق الأمازيغ أن يتبادلوا المفردات والمعطيات الثقافية، وأن يطلعوا على لغتهم وتراثهم في كل البلدان التي يتواجدون بها، لأن في ذلك اكتشاف لحقائق قد لا يتعرف عليها المرء بالبقاء محصورا في رقعة ضيقة. وتلك طبيعة الثقافات والحضارات عبر التاريخ، وهي التبادل والإغتناء. بينما العزلة عامل قاتل للثقافات واللغت وهذا ما يريده الخليفة للهجات السيئة الحظ . وحتى يكون الرجل على بينة من هذا الأمر أزفّ إليه البشرى التالية: اتصل الثوار الليبيون بنا في المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات قبل ثلاثة أيام مطالبين بالترجمة الأمازيغية لمجموعة من الكلمات الرسمية و منها "الأمن الوطني" ليكتبوها على واجهات المؤسسات وعلى بذلة الشرطة بالأمازيغية بجانب العربية، وقد فعلوا ذلك لأنهم يعتبرون أن المغرب هو عاصمة الأمازيغية في العالم، والمرجع في كل شمال إفريقيا في هذه اللغة، وإذا سأل الخليفة الثوار الليبيين لماذ لجأوا إلى بلد أجنبي هو المغرب لكتابة الأمازيغية فسيجيبونه بأن الأمر يتعلق بلغة واحدة ممتدة بلهجاتها على كل الشمال الإفريقي، من جهة، ومن جهة ثانية لأن السياسة العنصرية للسيء الذكر القذافي قد أدّت إلى محو الكثير من ملامح هذه اللغة في ليبيا، و قد آن الأوان لإعادة البناء في زمن الكرامة.
المعرفة بتاريخ المغرب: لم يقبل الخليفة أن ينعت هو ومن معه بالجهل بتاريخ المغرب، وهذا أمر إيجابي لكنه خلال حديثه صرح بأمور لا تنبئ عن أية معرفة حقيقية، فالقول إن الأمازيغ قد حاربوا الرومان والوندال والبيزنطيين والقفز على قرنين من الزمان ليسرد حكاية تبعث على النوم وقوفا وهي حكاية استقبال ادريس بالاحضان وانتظار ولادة ادريس الثاني لمبايعته هي الرواية الرسمية المفبركة المأخوذة عن مؤرخي السلاطين كالناصري وغيره، غير أن التاريخ يقول أيضا إن الأمازيغ قد حاربوا الرومان و الوندال و البيزنطيين كما حاربوا العرب الأمويين 75 سنة في معارك مهولة يقول المؤرخون إنها قتل فيها "أشراف العرب و سادتهم"، ولم تضع الحروب أوزارها إلا بعد أن سقطت دولة الامويين بسبب ما وقع لها من إنهاك واستنزاف في حروب شمال إفريقيا، لينصرف الأمازيغ المغاربة إلى بناء دولهم المستقلة عن الشرق، في الإطار الإسلامي لأنهم إن كانوا يرفضون الغزو والنهب و سبي النساء فإنهم لم يكونوا أبدا ضد الديانات و اللغات الاخرى، فكتبوا باللاتينية و البونيقية واليونانية كما كتبوا بالعربية دون أن يتخلوا عن لغتهم الأصلية التي ظلت حية إلى اليوم، لتستحق الترسيم في دستور وطنها. من كان يعرف تاريخ بلده لا يبدأ التاريخ من مجيء إدريس بن عبد الله هاربا من الشرق، فالأدارسة الذين هم أمازيغ أبناء كنزة الأوربية لم يؤسسوا أكثر من إمارة محاصرة من الشرق بإمارة سجلماسة ومن الشمال بإمارة بني مدرار الصالحيين، ومن الغرب بإمارة برغواطة التي وجدت قبل الأدارسة واستمرت بعدهم أربعمائة سنة، وقد حاولوا عبر حروب كثيرة توسيع إمارتهم خلال فترة ادريس الأول( 5 سنوات) وادريس الثاني( 23 سنة) لكنهم لم يفلحوا ليتقوقعوا بعد ذلك داخل مدينة فاس إلى نهايتهم، فاعتبار بداية الدولة المغربية مع الأدارسة هو قراءة إيديولوجية لتاريخ المغرب تكذبه مصادر التاريخ الكبرى. والقول إن المغاربة قد انتظروا كنزة الأوربية حتى تلد ادريس الثاني ليبايعوه فيه تعميم غير مقبول، فالذين انتظروا كنزة أن تلد هم قبيلة أوربة وليس المغاربة قاطبة، لأن باقي التراب المغربي كان إمارات أخرى و قبائل أخرى لا شأن لها بمشاكل أوربة وما جاورها. ورغم ذلك لن نقول إن السيد الخليفة لا يعرف تاريخ بلده، و لكنه فقط يقوم بتزويره لأغراض سياسية ضيقة، آن الأوان لتجاوزها.
الحزب "المظلوم" الذي "حرر البلاد": ظلّ زعماء هذا الحزب يكرسون عن عمد مجموعة من الأساطير التي لا يتقاسمها معهم المغاربة، ومنها أن حزبهم هو "محرر البلاد"، بينما يقول التاريخ و يعرف المغاربة أن الذي حرّر البلاد هو جيش التحرير المغربي الذي انقطع في الجبال والصحاري متحملا الجوع والعطش والحرمان من الملذات، تاركا الأهل والأولاد من أجل عزة الوطن وكرامته، ولكي ينعم امحمد الخليفة بربطة العنق وبالخطابة في منابر الزيف والمسخرة. الذي حرر البلاد هم الفدائيون الذين وهبوا أرواحهم على مذبح الحرية، ومنهم الزرقطوني والحنصالي وعلال بنعبد الله وغيرهم كثير الذين ساروا على درب الزياني والخطابي وعسو أوباسلام بتواضع جمّ، ونكران للذات. والذين لا نجد اليوم أسماءهم على واجهات المؤسسات والساحات والشوارع التي استأثر بها كتاب المقالات في الجرائد والخطباء المفوهون داخل المقرات الحزبية. حدث هذا عندما أصدر حزب السيد الخليفة بياناته ضد "الإرهاب" بالدار البيضاء و مراكش، الإرهاب الذي لم يكن إلا العمل الفدائي الوطني، وعندما شرع في اختطاف المقاومين واغتيالهم وتعذيب مناضلي حزب الشورى أيام كان حزب الخليفة يهدف إلى تمرير مؤامرة "الحزب الوحيد" التي كانت ستؤخر المغرب (الذي هو بلد التعددية بامتياز) سنوات ضوئية، من أجل رفاهية برجوازية مدينية أنانية وطفيلية. نعم كان حزب الإستقلال سيكون هو محرر البلاد لو كانت الأوطان تتحرر بعقد بعض الإجتماعات، و بإصدار بعض الصحف و إلقاء بعض الخطب الرنانة.
مع الملكية "بلا حدود": قال الخليفة إن حزبه مع الملكية "بلا حدود"، و هذا أمر لا غبار عليه فالحزب مع الملكية المطلقة ومع الحكم الفردي منذ البداية وإلى الأبد، و لهذا صوّت بنعم للدستور الممنوح عام 1962 ضدا على مطلب الجماهير الشعبية التي قاطعت الإستفتاء، وتولى الحكومة بعد ذلك ليعمل على تنصيب شبيبته في مراكز النفوذ بالدولة الناشئة، وكان ذلك جزاء تواطئه مع سلطات الإستبداد، و لهذا لم يقترح في مذكرته ما يفيد أي تغيير بهذا الخصوص حرصا على نصيبه من الكعكة القادمة، لكن السيد الخليفة وقع في تناقض صارخ، فحزبه مع الملكية في كل شيء إلا في الأمازيغية، فقد رفض حرف تيفيناغ الأمازيغي وهو يعلم أنه قرار ملكي بل إن الملك محمد السادس بعث برسالة تهنئة إلى المجلس الإدراي للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي اقترح في إطار إبداء الرأي كتابة الامازيغية بحرفها الأصلي العريق في شمال إفريقيا، ولم يقم الملك بذلك إلا بعد أن استدعى القيادات الحزبية إلى الديوان المكلي لإخبارهم بهذا القرار قبل إعلانه و لم يتحفظ عليه إلا حزبان هما حزب السيد الخليفة وحزب العدالة والتنمية، وهما أقلية صغيرة أمام 31 حزبا لم يروا مشكلا في الحرف الامازيغي، فشرعية تيفيناغ ثابتة باعتباره توافقا وطنيا. إذا كان الخليفة يريد مراجعة ذلك فسيكون الأمازيغ سعداء بكتابة لغتهم بالحرف اللاتيني الكوني الذي سيفتح آفاق تطور أرحب للغتهم. فأن تكون مع الملكية "بلا حدود" هو توقيع مطلق على بياض، وهو يعني أن تكون معها في كل خطواتها وقراراتها بدون تمييز.
الدولة المدنية: أن يقول الخليفة لا للدولة المدنية معناه أنه تريد استمرار مساوئ الماضي المتمثلة أصلا في استعمال الدين في الحياة السياسية بغرض ترسيخ الإستبداد وحرمان "الرعية" من حقوقهم الأساسية، المستفيد الأكبر من هذا بعد النظام المخزني التقليدي هم لوبيات النظام الذين ترتبط مصالحهم بالطاحونة الجهنمية للإستبداد، ولهذا لا نستغرب أن يتشبث هؤلاء الذين لا أثر لأي تديّن في حياتهم، بإسلامية الدولة.
حزب "أغلبية الأقلية": قال الخليفة إن حزبه سيحصل على الأغلبية في الإنتخابات القادمة، وأن ذلك أمر بديهي بالنسبة له، ما هي الأغلبية التي حصل عليها حزب الإستقلال سنة 2007 ؟ إنها أغلبية في ظلّ انتخابات قاطعها 81 في المائة من المغاربة، انتخابات لا شرعية لها لأنها تفتقد إلى الأسس السليمة للديمقراطية، مما جعل غالبية الشعب المغربي يفقد ثقته بشكل تام في المؤسسات وفي الأحزاب وخاصة العينة التي يمثلها حزب السيد الخليفة. إنها إذن "أغلبية الأقلية"، تلك التي حصل عليها حزب الإستقلال، والذي في حالة ما إذا تمّ الإصلاح المطلوب، وتم ضمان أسس اللعبة الديمقراطية، وأقدم الناس على التصويت بكثافة، فسيكون بلا شك في مؤخرة الترتيب، فمعلوم أن من عوامل تصدر حزب الإستقلال وحزب العدالة والتنمية الترتيب ثلاثة عوامل : تكسير شوكة الحزب اليساري الكبير الإتحاد الإشتراكي بعد تمييع وإجهاض تجربة التناوب التوافقي، استقطاب الأعيان المحليين الذين يصوت لهم أتباعهم بغض النظر عن الحزب أو اللون السياسي، بدليل حصولهم على نفس الأصوات رغم تغييرهم للأحزاب، ثم عزوف أغلبية المواطنين الذين هم في سن التصويت عن اللغبة بكاملها، مما يتيح للتيارات المحافظة والتي هي أقلية منظمة فرصة تصدّر اللائحة.
التوبونيميا و أسماء الأماكن: استنكر الخليفة أن نطالب بتصحيح الأسماء الأمازيغية للأماكن التي تم تحريفها في إطار تعريب مقصود لجغرافية المغرب، وقد نسي بأن هذا ما تدعو إليه اتفاقيات دولية وقع عليها المغرب، حيث لا يجوز حسب هذه المرجعية الدولية تغيير أسماء أماكن بأخرى من لغة أخرى حفاظا على تاريخ الشعوب وحضاراتها. وعلى الخليفة ليتأكد بنفسه أن يسأل أهل أزيلا التي تسمى "أصيلة" أو أهل تطاون أو أهل الشاون إن كانوا ينطقون أسماء مدنهم من قبل بغير نطقها الحقيقي قبل أن تأتي طاحونة التعريب الإيديولوجي الهوجاء.
"لن نقبل!": ظل السيد الخليفة يكرر عبارة "لن نقبل" و كأنه الحاكم الفعلي للبلاد، وكأن رأيه يوافق اتجاه التاريخ، وفي هذا الباب نقول له: "إذا تحليت بقدر من نسبية الفكر العلمي عليك أن تكون مستعدا لأن تتعايش في وطنك فيما تبقى لك من أيام العمر مع ما لا تقبل ، فالمغرب يتغير في غفلة منك ومن الذين معك، خاصة إذا كانوا شيوخا ومحافظين". تكمن مشكلة حزب الإستقلال في أمرين اثنين: شيخوخة القيادة التي لم يبق إلا أن يقال لها Dégage !، والجمود الإيديولوجي الذي جعل الحزب عاجزا عن مواكبة التحولات المتسارعة. هل كان صدفة أن يؤتى بهذا الرجل الذي يرمز إلى الرجعية والمحافظة، في هذا الظرف بالذات ليتحدّث في الإسلام والأمازيغية والملكية البرلمانية، الطابوهات الكبرى للحياة السياسية المغربية، بشكل يعاكس نبض الشارع وطموح القوى الديمقراطية ؟ لا أعتقد، ولكن ما ينبغي أن يعلمه الخليفة وغيره من دهاقنة سياسة الإستعباد هو أن ساعة التغيير قد دقّت، وأن العودة إلى الوراء هي من ضروب المستحيل، فلا حلّ إلا بدستور جديد يقرّ بكل ثوابت النظام الديمقراطي كما هي متعارف عليها في العالم، ويحسم في اختيار المستقبل.