تبدو لي 8 مارس أكبر كذبة.. لسنا في حاجة لها جميعا رجالا و نساء.. كل أيام السنة و كل الصباحيات و المساءات و كل الفصول لا طعم لها بدون إمرأة.. فكيف حصرناها و ضيقنا عليها الخناق بهذا اليوم الواحد الوحيد الذي يمر في كلمات مجاملة و تحايا و بعض الورود بينما الورد و الحب و الاعتراف بالمرأة يكون طيلة العام... أجد في ثامن مارس نفس الشعور الذي يجتاحني في يوم الطفل و يوم الشجرة و يوم البيئة و يوم الصحافة و غيرها من الأعياد ..لا معنى أن نحتفل بيوم و نهرب باقي السنة..لكن ما دامت المناسبة شرط و الشيء بالشيء يذكر سأتحدث عن بعض النساء .. في رصيدي كنز كبير من النساء عرفتهن في حياتي ..اخترت نماذج قريبة و في عقلي نساء كثيرات أخريات ملئن حياتي بالصداقة و المودة و الحب و اكتشفت منهن جدوى العيش و تعلمت من كتبهن ما لم أتعلمه من كنانيش المدرسة و كتب المكتبات.. مي مريم حارسة المعبد رحمها الله كانت امرأة عظيمة جاءت إلى الرباط من البرانص في تازة و هي شابة في كامل العنفوان و الحسن و تزوجت بجندي خاض حرب لاندوشين ..دار الزمان و تبدلت المياه تحت الجسر و مات المحارب و بقيت مي مريم وحيدة تكد و تعمل و تواجه مصيرها. حكت لي مي مريم أنها كانت تمشي إلى السينما في الستينات و تشاهد مع زوجها في الدارالبيضاء أفلام رومانسية و قصص غرام فريد الأطرش .. هي المرأة الوحيدة التي عرفتها تقطع الصلاة إذا أثار انتباهها شيء طارئ ثم تعود و تكملها بكل عفوية و تلقائية و لا تحتاج إلى من يفتي عليها .. يجوز أم لا يجوز... ماتت المسكينة بعد أن تقدمت في العمر وحيدة في غرفة في سطح منزل في سلا .. كان مساء صقيعيا باردا فأشعلت البوطة تتدفأ فاشتعلت النيران في ثيابها و احترقت ... غادرت مي مريم الحياة بطريقة غارقة في الألم و الأسى ..عليك الرحمة أمي مريم .. سميرة مغداد صحافية ريفية جاءت إلى الرباط من حومة بلجيكا في طنجة قبل نحو ثلاثين سنة و درست الصحافة و اشتغلت بها . سميرة مديرة مكتب "سيدتي " عاشقة كبيرة للمهنة كاتبة بحس رفيع و قارئة و شاعرة تجمع في شخصيتها بين الخجل و التمرد .. عاشت سميرة أحداثا كبرى في السياسة و عرفت عن قرب ما يجري في الحدائق الخلفية لسياسيين كبار و زعماء و فنانين لكنها ظلت تفضل التواضع عن أي ادعاء آخر..اعرف عن كثب فضل سميرة مغداد على كثير من الفنانات و نساء السياسة و الأعمال اللواتي قدمتهن للقراء و فتحت لهن مجال الشهرة فيما هي فضلت ظلال الصحافة المكتوبة ..مطلوب منك سميرة كتابة رواية عن التجربة الغنية.. زليخة الصحافية المصورة في الاتحاد الاشتراكي صورة أخرى لامرأة حملت كاميرا الصحافة قبل أن تطأ قدم النساء هذا المجال.. جاءت زليخة من الناظور في الريف و وجدت نفسها بعد الدراسة و عشقها للصورة مصورة في جريدة معارضة .. الذين عرفوها في المهنة و هم كثيرون في الصحافة و السياسة و منهم محمد بنعيسى وزير الخارجية الأسبق و محمد العربي المساري كان لهم عطف و مودة و تقدير كبير لها.. أما عبد الرحمان اليوسفي الذي اشتغلت و هو وزير أول في أول حكومة تناوب فقد كان و لا زال يخاطبها : أبنتي ..ابنتي..زليخة لها مكان رحب في قلب اليوسفي. أقول دائما لزليخة أن تخرج لنا كتابا مصورا عن عبد الرحمان اليوسفي حول تلك المرحلة ..عندها أرشيف محترم و غني حول التجربة..زليخة مثل سميرة لم تجعل الصحافة مسلكا و قنطرة إلى كسب الأموال و استغلال المهنة للوصول إلى مناصب...هي إنسانة شبعانة من عند الله و يكفيها حب الأصدقاء و الزملاء.. اليوم كرمت صحيفة العلم الصحافية زليخة إلى جانب نساء أخريات..من غريبا الصدف أن التكريم أتى من صحيفة حزب الاستقلال قبل أن يأتي من الإتحاد الذي عاشت فيه كل هذا العمر.. زليخة عاشت داخل الحزب لكنها لم تنخرط ..البطاقة الحزبية أفق صغير حقا.. بقيت سيدة أخرى قبل أن أنسى هي وفاء علام رفيقتي و زوجتي.. جاءت إلى" أنوال" في سابق الأيام من مدرسة جمعية " لا ميج" بتمارة..عاشت مناضلة في الجريدة أيام كان النضال يؤدى عنه ضرائب باهظة.. و اليوم تكمل رحلة نضالها في البرلمان المغربي و مع هذا المواطن إلى جانب أبناءها.. تحية مودة و حب إلى مي مريم التي ماتت محروقة و إلى سميرة سيدة سيدتي و إلى زليخة الفنانة و الصحافية و إلى كل الصديقات حيثما وجدن في الداخل و الخارج و إلى نساء البوادي و تونفيت و املشيل و أزيلال و الريف و الصحراء و إلى العاملات الزراعيات في ضيعات الإقطاع في ظروف صعبة مؤلمة .. تحية مودة و حب و تقدير إلى كل نساء المغرب الجميلات ... لست في حاجة لذكر والدتي يامنة و أختي فاطمة و حبيبة و مليكة و نساء جميلات عظيمات أخريات أعتز بهن .. أما 8 مارس فهو كما قلت مجرد مناسبة عابرة و الأصل هو أن نفتح قلوبنا للنساء العام كله..