ازيلال : هشام أحرار أصبحت تعج بهم شوارع المدن وحدائقها العامة ومساحاتها الخضراء فلم تعد الأوساخ التي امتصت بياض المدينة ولوثت أجواءها ولا حتى سلع الباعة الفوضويين ،الدين استباحوا طرقاتها واحتلوا جسورها وساحاتها ،تصنع ديكور هذه المدن ويومياتها ،وأصبح المشردون ،جزء لا يتجزأ من معالم هذه المدن ،التي سرق منها الزمن الشئ الكثير والتي تحكي وبمرارة بؤس أناس حرمتهم الأقدار حضن العائلة فهمشهم المجتمع ولم يجدوا ،غير بؤس الشارع ،الذي قسم ظهورهم وأذاقهم الويلات في شتاء بارد وممطر لا يرحم الضعفاء ولا يعترف بمن لا يتوفر على أربعة جدران تقيه سموم البرد وسيول المطر ،في مدينة كبلدية ازيلال تبكي فيها السماء وبسخاء يمر الناس عليهم في الصباح الباكر وكل مساء مشاة أو في سيارتهم يتأملونهم من النوافذ والبرد القارس ،يلسع الأجساد حتى وان كانت محنطة بألبسة الصوف والقطن ،فما بالك بمن لا يفترشون إلا الأرض ولا يلتحفون إلا السماء ولا يلبسون إلا الرث من الملابس ، ورغم هذه الصورة المأساوية التي تترك أثرا كبيرا في أقسى القلوب إلا أن هذا المشهد أصبح مألوفا في بعض مدننا حتى التي تسير بإيقاع بطئ جدا وتزال فيها بعض من القيم المحبة والتآزر بين الناس ،فالكثير لم يعد يبالي ، بما حل بهؤلاء الذي حرمتهم الأقدار من دفء الأسرة فلم يجدوا غير الشارع يحتضنهم بكل ما يحمله من أفات تنتحر على عتبتها كل حقوق الإنسان وعلى رأسها العيش الكريم. هل يمكن لأحد أن يفكر في حال من يأوي هؤلاء المشردين وينتشلهم من الشارع ، كيف حال ألبستهم لأتقيهم البرد ؟ هل سيمضون ليلهم يبحثون عن مكان يحتمون فيه من الأمطار ؟ عنوانهم الشارع ومساكنهم الحدائق وقرب المساجد. تهاطلت الأمطار وبغزارة شديد و البرد القارس والأيام متتالية وبدون انقطاع والكل مرعوب بالبيوت يطلب الرحمة من الله وان تمر الليلة على خير والمتشردين في خبر كان ،هل يمكن لأحد أن يفكر في حال من يأوي هؤلاء المشردين وينتشلهم من الشارع ،كيف حال ألبستهم لا تقيهم البرد ؟هل سينامون أم سيمضون ليلهم يبحثون عن مكان يحتمون فيه من الأمطار؟ هل العلب الكارثونية التي ينامون عليها ستقاوم المياه وهل سيبلل العشب أفرشتهم الرثة؟ فحتى في المساكن وبوجود المدفئ نشعر بالبرد وهم تراهم كيف يقاومون ؟ أسئلة قلة جدا من يطرحها ،لأنه قلة من يفكرون في هؤلاء فالحقيقة التي لا ينكرها احد ، انه في مدينة ازيلال لا أهمية لهؤلاء البؤساء الذين همشتهم الحياة والدين يتفرج عليهم الناس من النوافذ ،دون أن تحركهم النخوة ويثوروا على أحاسيسهم البليدة ويبعثوا الحياة في قلوبهم التي ألهتها مشاكل حياة المال والأعمال ومتطلباتها الكثيرة ،فالكل مشغول بنفسه ولا وقت ،ليخففوا على هؤلاء حجم المعاناة ،خاصة في فصل لا ترحم طبيعته القاسية حتى من يتوفرون على مسكن ،يسدون فيه كل المنافذ على البرد القارس الذي يعرف ذروته هذه الأيام ،فما بالك بشيوخ وأطفال ونساء لا يتوفرون حتى على سقف من قش أو طين أو حتى جريد نخيل ،يقيهم المطر الغزير، وكان عند الكثيرين نقمة لا نعمة ،فهذا الخريف العابس لم يرحم حتى أصحاب المساكن المتهرئة والشقق المتآكلة التي أزهقت الأرواح تحت الأنقاض ، والتي لم تتحمل غضب الطبيعة رغم انها من جماد فكيف تراه يكون الحال مع أجسام من لحم ودم و عظم بعد أن أكلت الفاقة في الكثير من الأحيان الشحم ونخرت حتى العظم الذي أصبح هو الأخر معلولا ،أجساد وجدت نفسها لسبب أو لأخر تنام بالشارع اوقرب المساجد أو الشارع العام الذي لم تعد شروره ترحم أحدا أو الحدائق التي تغيب الحراسة فيها ، فالنظر قرب المسجد الأعظم تراه يعج بهؤلاء من م الناقمون على الحياة عدوانيين ضد الجميع صنع الكثير منهم أسرة من بعض العلب الكارثونية والتحفوا بملابس بالية لا تحميهم من برودة الطقس وغزارة الإمطار وتساقط الثلوج في هده المدينة. آدميون حرمتهم الظروف ، أدنى شروط الحياة الكريمة وكانت أواصر التكافل وروابط المودة والرحمة ماتت ، فالمجتمع لم يعد يحمل مطلقا أي احسساس بالذنب أو عقدة اتجاه هؤلاء الذين تفوق معاناة البعض منهم شيوخ، أطفال ونساء الشارع ملاذهم الوحيد شيوخ ما رحم الزمان سنهم المتقدم وما كان لهم نصيب من أحظان العائلة حتى وهم يعدون أخر أيامهم ليكون الشارع ملاذهم الوحيد،بعد أن رفضت زوجة الابن في الكثير من الأحيان تحملهم وما وهربوا من دور العجزة في المدن ، وكأنهم يريدون أن ينتقموا من أنفسهم ويعاقبونها على تمرد الأبناء الذين لم يثمر فيهم الخير وكان جزاؤهم على كدهم وتعبهم طوال هذه السنوات ،الهجران وحتى بالطرد من البيت، بعد أن صار غير مرغوب فيهم ،حكايات كثيرة تعري هذا الواقع وتفضح تمرد الأخلاق فيه ،لكن تبقى حكاية فاظمة صاحبة 67 سنة ،صورة حية على شيخوختها سوء خاتمة وعقابا ربانيا على ما اقترفته بحق أبنائها وهي ألان تتحد مكانا بشارع الرئيسي مسكنا لها بدون رحمة ولا شفقة ، فهي لاتريد أن تموت وحيدة ولا تجد حتى من يدفع ثمن نعشها ،تبكي بحرقة وهو تجهز سريرها المكون من الكارتون وبعض الجرائد والملابس القديمة وتدعوا الله أن يغفر لها يسترعي انتباهك ،خاصة بالليل أين تقل الحركة العديد من الأطفال والمراهقين المخدرين بمادة "سيلسيون " يستنشقونها ،رغبة منهم في الرحيل الى دنيا الأحلام بعد أن عجزت ميزانيتهم عن اقتناء الأقراص المهلوسة أو قطع الحشيش لكل طفل حكاية رمته الى شارع لعين لا يفرق بين احد فالكل يخضع به لمنطق الغاب ومنطق البقاء للأقوى وعدم احترام أعراف هذه الغاية وقوانينها ،قد يعرضك حتى للتصفية ،أطفالا أجسادهم أصبحت ستهوي كثيرا المجرمين ،الذين لم يرحموا براءتهم فرحوا يلقمونهم أصول السرقة ولتصبح أجساد الكثير منهم مع الوقت حقل تجارب للممنوع وحتى يحكموا عليهم السيطرة أكثر ،لأنه ببساطة ،بعد أن يتلوث دمه بالممنوع قد يقتل أن طلب منه ذالك في سبيل الحصول على قرص مهلوس ،ينشيه ويا خده لدنيا أخرى أحلى لا وجود فيها للأب الوحش ولا لزوجته الشريرة التي ما كفاها ،أن أمه طلقت أو رحلت ،لتتركه لفراغ اليتم حتى تضاعف مصيبته أكثر وتذيقه كل فنون العذاب وتوسع الهوة بينه وبين والده ،حتى يطرده صاغرا من أحضان البيت بعد أن طرده من أحضانه ،فحتى الجدران الباردة الخالية من دفء المشاعر حرم منها ليجد نفسه بين مخالب ذئاب بشرية ،قد تأكل حتى لحمه وتغتصب براءته ،بعد أن تفرغ بجسده النحيل ،وبكل حيوانية مكبوتاتها الجنسية وهو ما حدث تماما مرارا قرب المسجد الأعظم وساحات بين البروج ببلدية ازيلال لأطفال صغار يمتهنون حرفة "سيراج "أو "بيع السيجارة بالتقسيط" ليجدوا نفسهم محترفين في ميدان السرقة حتى يؤمن لقمة عيشهم خصوصا أنهم يسكنون في أحياء هامشية للمدينة. .شاب معاق وجوده في الشارع العام ويتخذ قرب محطة للسيارة الأجرة الكبيرة مسكنا له في غياب الأب أو الأم أو مفهوم الأسرة بالمعنى المتعارف عليه،فهو ثمن خطيئة الأسرة والمجتمع بكامله ليجد نفسه تحت وطأة أشباه بشر . فاطمة بعد طردها من بيت الأسرة وتتخذ الأزقة والشوارع منزلا لها لتجد نفسها مع الأيام أما عازبة تنجب أطفالا ،مصيرهم المجهول لا يختلف كثيرا عن مصير والدتهم وفي الغالب تجد هؤلاء النساء وخاصة الفتيات يهربون الى الأماكن المأهولة ،والشوارع الكبيرة خوفا من الاعتداءات والسرقات فيلجئون الى مداخل المنازل أو يعيشون في حماية بعض المشردين يوفرون لهم الحماية ، لكن بمقابل كما حدث مع فتيحة التي من الصعب جدا أن تسمع قصتها دون أن تشاركها دموعها الساخنة ،التي تحكي حرقة قلب خذلته الأيام وخانه الحب ،خاصة انها كانت ابنة عز ودلال ،لكن من الحب ما يقتل ومن الحب ما يضيع ،بعد أن قادها الى حتفها جراء الفعلة الشنيعة لحبيبها ،الذي فقدها شرفها ورحل الى الخارج وتركها تواجه مصيرها المحتوم،وهي تحمل في أحشائها ثمرة حبها ،لتهرب من الفضيحة وتترك عائلتها التي لن تتوانى في قتلها لو عملت بالقصة وجاءت الى عاصمة الأطلس المتوسط دون أن تفكر حتى فيما ينتظرها ،وبعد أن كانت عازبة لولد واحد أصبحت اليوم ل3 أطفال ،دموعها التي لم تتوقف والتي تحاول أن تغسل العار بدمها بدل هذه المعاناة التي لا تتحملها حتى الحيوانات تأمل بقلب صادق أن تتعظ الفتيات الغافلات ولا يقعن ضحايا لأشباه الرجال باسم الحب. آدميون حرمته الظروف ،أدنى شروط الحياة الكريمة وكان أواصر التكافل وروابط المودة والرحمة ماتت،فالمجتمع لم يعد يحمل مطلقا أي إحساس بالذنب أو عقدة اتجاه هؤلاء الذين تفوق معاناة البعض منهم ،فمصيرهم يتحملونه بمفردهم والمسؤولية تقع وحدها على عاتق أسرهم وعائلاتهم التي ماتت بها مشاعر الإنسانية ،قبل أن تموت روابط الدم وصلة الرحم يتفرجون من النوافذ على بؤساء وكأنهم يتفرجون على دراما اجتماعية على شاشة التلفزيون آو السينما ،مع فارق بسيط فمشاهد التمثيل بالتلفزيون آو السينما ،قد تحرك أحاسيسهم وتدفعهم حتى للإجهاش بالبكاء لكن الصور الحية للواقع مهمشة نماما ،فالكل يحمل الجهات الرسمية المسؤولية ويطالبه بالحلول. و بنظرات متعبة وحزينة يمزقها الم العزلة والتهميش ، تراقب بعيون منكسرة حركة المارة والسائقين بشارع الحسن الثاني ، الذي يعتبر من أهم شارع بمدينة ازيلال، إنها امرأة مسنة اختارت احد أماكن قرب محل تجاري الكراسي كسرير وضعت فوقه كومة من الافرشة والأغطية البئيسة ، واتخذت منه مسكنا منذ شهور، أطفال وشبان المدارس والمارة بمختلف شرائحهم يمرون بالمحاذاة منها يوميا غير عابئين بمعاناتها وبعزلتها القاتلة من حين لأخر يرق قلب بعض المارة فيمدونها بما جادت أنفسهم . تبدو المدينة كما صرح بذلك لجريدة "العلم" العديد من المواطنين وكأنها مفتقدة لأي حس إنساني ، مدينة موحشة وكأنها بدون سلطات ومنتخبين وبدون جمعيات خيرية وإنسانية إزاء هذه الحالة الإنسانية البئيسة . وفي هذا السياق أعربت سيدة بأسى عميق من غياب أية مبادرة لإحداث دار للعجزة أو على الأقل للنساء المشردات بالمدينة ،وأضافت والألم يعتصر قلبها "كثير من النساء المشردات بمدينتنا يعانين في صمت بدون مأوى ولإطعام ويتعرضن أحيانا للاعتداءات الجنسية من قبل المتسكعين والمشردين وأحيانا أخرى للتعنيف من طرف الغرباء ، لكن دون أن يثير ذلك أية شفقة لدى جل السكان "وفي سياق ذي صلة عبر احد المارة "للعلم" عن تألمه البالغ من رؤية هذه المسنة يوميا بأهم شارع بالمدينة دون أن تثير أي رد فعل من دن المسؤولين والجمعيات الخيرية ، واستغرب بشدة لقضاء هذه المسنة لياليها الشتائية الطويلة والبرد القارس في الهواء الطلق في وقت تشهد فيه المدينة برودة جد قاسية وتنخفض فيه الحرارة إلى أدنى مستوياتها . المرأة المسنة المتعبة قالت للجريدة وهي تلف جسدها بغطاء متواضع ، أنها قدمت من منطقة بعيدة واستقرت ببلدية ازيلال وبهذا المكان الذي اتخذته مأوى تقتات وتنام فيه وتقضي حاجتها الطبيعية بالمحادة منه ، وقالت أنها تتعرض أحيانا لاستفزازات بعض المشردين والشبان الطائشين ليلا ، وبعض الأطفال الزائغين نهارا ، وأنها تتوسل الرأفة والعناية من بعض المحسنين ،وأضافت أن الغطاء البلاستيكي هو الذي يخفف عنها لسعات البرد القارس. العديد من المهتمين بالشأن المحلي وفعاليات المجتمع المدني طرحوا تساؤلات عدة حول ملابسات تحويل مركز للعجزة والمتخلى عنهم إلى دار الأطفال ، دون ان يتلقوا أية إجابات مقنعة، السؤول المطروح نحن اليوم أمام عدد كبير من المتشردين مهم العجزة والشبان في أوضاع محرجة ومخجلة ، فهل المسؤولين من مؤسسة التعاون الوطني وسلطات وجمعيات خيرية سيبادرون في اتخاذ الإجراءات العاجلة لإيواء هؤلاء الأشخاص في وضعية هشة ومعرضة للمخاطر في شوارع وساحات المدينة ؟