يُشَرِحُون تجارب ومسارات ومناهج النقد الروائي المغربي: شهدت قاعة الندوات عبد الواحد خيري بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء تنظيم مختبر السرديات الندوة العلمية الثانية لطلبة دكتوراه تحليل الخطاب السردي، يومه الخميس رابع يونيو 2015 ابتداء من التاسعة صباحا. وتم افتتاح الجلسة التي ترأسها شعيب حليفي رئيس مختبر السرديات معبرا عن ثقته في الأجيال القادمة، وأشاد بمجهودات طلبة الدكتوراه في التعاطي الفعال مع أعلام النقد الروائي بالمغرب، متمنيا تطوير أشغال الندوات العلمية التي يشرف عليها المختبر إرضاء لرغبة ممن يقبلون على التفاعل مع الحقل الثقافي بالكلية.أما كلمة عبد القادر كنكاي عميد الكلية فقد عبر عن دعمه للبحث العلمي، والإشادة بمجهودات مختبر السرديات في الرقي بالدرس النقدي بالمغرب. تلتها كلمة عبد الفتاح الحجمري عن اللجنة العلمية، حيث زكى عمل اللجنة ومواكبتها المستمرة لإنجازات طلبة الدكتوراه وتحكيم أعمالهم. وفي السياق ذاته،جاءت كلمة الباحث محمد محي الدين باسم لجنة التنظيم والتتبع مستعرضا جميع خطوات الندوة قبل سنة من الآن وطريقة الاشتغال وبعض المصاعب . كما تُليت كلمة عبد الواحد لمرابط (جامعة القاضي عياض مراكش) باعتباره واحدا من المشرفين على هذه الندوة، حيث نوه بدورها في دعم تكوين الطلبة الباحثين وتشجيعهم على تملُّك الرؤية المنهجية، واكتساب أدوات التحليل النقدي والدراسة الميتانقدية. بدأت أشغال الندوة بجلستين صباحيتين، رحب عبد الفتاح الحجمري مسير الجلسة الأولى بالحضور، وذكر بالمشاركات الثلاث المخصصة في الجلسة، والتي استأنفها محمد محيي الدين بمداخلة حول المشروع النقدي لأحمد اليبوري. تطرق فيها للخصائص المنهاجية ومستندات المنهج من خلال تأطير المشروع ضمن السياق الزمني والمتن المدروس، بحيث تكشف كتابات اليبوري عن هم مشترك، يعكس بعدا في الرؤية، ونسقية في التفكير، فهي تلهج بإشكال عام مفاده: كيفية قراءة النص الروائي، واستيعابه، وتأويله، عبر البحث عن عناصره الشكلية والمضمونية. وخلص الباحث إلى اعتبار مشروع النقد الروائي عند اليبوري اتسم بتوسيع الذخيرة المفاهيمية التي يعتمدها الناقد المغربي والعربي أثناء مقاربته للنصوص الروائية، وذلك عبر مده بمصطلحات واصفة ومحللة جديدة؛ والتعامل الحصيف مع المناهج والنظريات. وتناول سالم الفايدة في مداخلته المعنونة ب " تحديث النقد العربي" من خلال المشروع النقدي لمحمد برادة التي تميزت بمواكبة الرواية العربية بروح الانفتاح والتجدد، ذلك أن الانشغال القوي للناقد بالأسئلة الاجتماعية والسياسية ومستوى حضورها في الرواية العربية ،لم يحل دون تتبعه لتطور الشكل الفني للرواية العربية، أما على المستوى المنهجي فتكشف المفاهيم التي وظفها الناقد عن الروح المنهجية التي تحكم ممارسته النقدية والقرائية للنصوص الروائية العربية،فقد تنوعت المفاهيم النقدية لديه وتطورت وتشابكت(البنيوية التكوينية ، السرديات ،أسلوبية باختين،النقدالموضوعاتي...) واغتنت في ارتباط مع تطور الرواية. واختتمت الجلسة الأولى بمداخلة ميلود الهرمودي التي خصها للناقد حميد لحمداني، حيث تتبع كتاباته الأولى بالفحص والتحليل، والتي شهدت انفتاحا المناهج والنظريات الغربية، ممثلة في سوسيولوجيا الأدب والبنيوية التكوينية، مع تطعيم تصوره النظري بالتحليلين البنيوي والنفسي. وخلص الباحث إلى اعتبار أعمال الناقد ممهدة لمشروع نقدي رائد ستتمظهر مرتكزاته ضمن المؤلفات التالية على المرحلة الأولى من تجربته. وبعد استراحة قصيرة، تم استئناف الجلسة الثانية التي قام بتسييرها إدريس قصوري، حيث قدمت سلمى براهمة مداخلة بعنوان "من تحليل الخطاب إلى تحليل النص" انطلاقا من المشروع النقدي لسعيد يقطين، معتبرة إياه رجل التوازنات في النقد الأدبي العربي، جمع بين السردي، بين النظرية العلمية والثقافة، بين النقد الأدبي والفكر الأدبي، بين السرديات والسوسيوسرديات، بين داخل النص وتفاعلاته المختلفة مع الخارج، سواء أكان هذا الخارج نصا ثقافيا، قديما أم حديثا، أم بنيات اجتماعية، بين قضايا الجنس والنوع والخطاب والتقنية وأساليب السرد، وتحولات المجتمع وحراكه. ومد الجسور بين السرد القديم والسرد الحديث (الرواية)، بين نشأة الرواية ومستقبلها وآفاقها، بين النقد الغربي (الفرنسي) والنقد العربي(المشرقي). وكانت المداخلة الثانية لنادية شفيق التي خصتها للسرد والثقافة في تجربة حسن بحراوي، فالمتأمل للمشروع النقدي لحسن بحراوي يدرك اهتمام هذا الأخير بالظواهر الأدبية والفنية المنبثقة من واقع الهشاشة والفقر والتهميش، باعتبارها أصواتا تصدح بالرفض وتنشد التغيير والارتقاء، بواقع المجتمع المغربي، وبذلك تكون كتابات الأستاذ حسن بحراوي منصبة على دراسة الأنساق الفنية المنضوية تحت ما يسمى بالأشكال الفنية الاحتجاجية، أي بمعنى آخر مقاربة الأعمال الفنية النابعة من الهامش بآماله وآلامه وأحلامه وتطلعاته، كائنة وممكنة، هذه الأبعاد رام الناقد استجلاءها من خلال اشتغاله على مشارب أدبية وفنية مختلفة، بداية بالرواية ومرورا بالمسرح وانتهاء بالمجال الغنائي. وتناول سليمان حجاجي في المداخلة الأخيرة الخصوصية والانفتاح في المشروع النقدي لعبد العالي بوطيب، وأكد على أنه مشروع يستحق الكثير من الاهتمام وجدير بكل الإشادة والتنويه وهو مشروع يفتح آفاقا واسعة أمام الباحثين، ومن الآفاق التي يفتحها هذا المشروع قابليته للمناقشة والإغناء، حيث يمكنهم من التفاعل معه والمساهمة في خلق نظرية للسرد العربي، متفاعلة مع النظريات السردية العالمية. انطلقت أشغال الجلستين المسائيتين ، قامت حليمة وازيدي بتسيير الجلسة الثالثة التي استأنفها محمد العناز بمداخلة تطرق فيها لمصطلحات النقد الأدبي عند محمد أنقار، والتي أفرزها الفهم الجديد للبلاغة باعتبارها بلاغة كونية رحبة تتميز بفعالية إجرائية عالية تستشف من طبيعتها الجمالية وجهين لا ينفك أحدهما عن الآخر وهما قدرة هذه المفاهيم على ترجمة معاناة الإنسان وصراعه من أجل القيم والمبادئ التي يؤمن بها من جهة وقدرتها على تصوير ذلك في إطار جمالي يأسر المتلقي من جهة أخرى. وفي المداخلة الثانية، تناولت مليكة لشهب عتبات الخطاب عند عبد المالك أشهبون، فقد تميزت أعماله النقدية باللجوء إلى فحص المعطيات المعرفية و المنهجية التي يقدمها في مؤلفاته برمتها، بغية اختبار مدى ملاءمتها لمنطلقاته النقدية المعلَن عنها في مفتتح كل عمل إبداعي، فيثبتها في متن الكتاب عن طريق نماذج تحليلية وتطبيقية، تضفي على العمل النقدي المدروس الدقة العلمية المطلوبة في كل عمل نقدي متميز. وتناولت منيرة الزغيمري "الجمالية المابينية بين القراءة والكتابة" من خلال تجربة رشيد بنحدو، حيث اتسمت دراسته بقدرة عالية على تحليل النصوص، فرغم تعدد المتون المدروسة إلا أنها تنسجم مع رؤية الناقد وتصوره للبين بين، قدم الناقد تصورا جديدا للقراءة يقوم على الفاعلية المثمرة بين القارئ والنص.، وإبراز خصوصية الكتابة الروائية القادرة على الخلق والإبداع أثناء سيرورة الكتابة وبعدها، ومساءلة هوية النص الروائي وطرح قضية التجنيس الأدبي. وختم عبد العزيز الظيف الجلسة الثالثة بمداخلة تحت عنوان "نحو تنظير واع لحياة النص" من خلال تجربة أحمد فرشوخ، فقد استطاع بوعيه وذكائه صياغة تصور جديد للنص الأدبي، ومن ثم بلورة مقاربة جديدة توخى من خلالها الكشف عن مكامن النقص في المقاربات النقدية القديمة التي تهمش النص ولا تنظر إليه إلا من زاوية منتجه، وبذلك تمكن من ضخ الحياة بدواخله مستندا إلى معطيات النقد الجديد وفقا لما ارتضاه رواد وأنصار نظرية التلقي. ترأس عبد الرحمان غانمي الجلسة العلمية الرابعة التي استأنفها يونس لشهب بتطرقه لتجربة شرف الدين ماجدولين من حيث خصائص الرؤية النقدية التي تشفّ عن نموذج نقديّ يتشوّف إلى أجرومية للنص السردي، تكونُ قطافَ جهد نقدي جاهد، أسّس بنيانه على غير قليل من الدربة والمكابدة. أما ابراهيم أزوغ، فتناول في مداخلته نسقية القراءة ولغة الإبداع في الأعمال النقدية لعبد الفتاح كيليطو الذي يؤسس قراءاته على جملة من المفاهيم التي تستمد مرجعيتها النظرية والمعرفية من النظرية السميولوجية وفي مقدمتها مفهوم الأدب والنص والاختلاف والكتابة والعلامة والعلاقة... دون أن تقيد المفاهيم بمرجعيتها بل تجعلها مجالا للمناقشة والحوار وهو ما جعل مفهوم الأدب في مشروع كيليطو يمتد ليشمل كتبا في المعجمية، والدرس البلاغي النقدي، وفي الفكر. وتعرض عبد الواحد عبدوني في ورقته "التخييل باعتباره بنية مركزية في عمل الميلود عثماني"، فالقارئ للأعمال النقدية لهذا الباحث يحس بتواصل غريب مع هذا الناقد كأن الأمر يتعلق بلغة مباشرة حوارية تواجه بنية التساؤلات والفرضيات الخاصة بالمتلقي في لحظة التلقي، فالناقد لا يكتفي بإطار مرجعي واحد، وإنما بأطر عديدة، إذ يهتم بإدراج بعض أسماء النقاد في كتبه محيلا عليهم واضعا مواقفهم في سياقاتها الخاصة والعامة. واختتم ناصر ليديم باشتغاله على المشروع النقدي لعبد الفتاح الحجمري بمداخلة عنوانها "الظاهر والمضمر في النقد الروائي"، بوضع المشروع في سياقه التاريخي والابستمولوجي والمعرفي باعتبار ما يشتمل عليه من دراسات نقدية ترسم ملامح المفاهيم النقدية والأدوات الإجرائية التي تسم المشروع النقدي الذي يميز عبد الفتاح الحجمري، فمن خلال مقاربته لمجموعة من النصوص تظهر بشكل جلي المرجعية النقدية التي تسم شخصيته النقدية، وخاصة فيما يتعلق بعتبات النص باعتبارها مفاتيح لولوج عوالم النص وسبر أغوراه وهو ما طرحه الناقد في مستهل دراسته النقدية المهمة والتي سارت لتقتفي آثار المعلن والمضمر في النص السردي. شهدت الجلسات العلمية الأربع ، والتي مرت الندوة في سياق علمي طبعته الجدية والالتزام ، نقاشا مثمرا وساخنا بين الباحثين والمتدخلين الذين أغنوا الندوة بتساؤلاتهم وإضافاتهم ومقترحاتهم . أما الجلسة الختامية التي ترأسها شعيب حليفي فقد أعلن عن استكمال الندوة الثالثة التي ستنعقد في مارس المقبل لمشروع قراءة النقد الروائي المغربي وإشراك الباحثين في الدكتوراه من جامعات مغربية أخرى دعما للبحث العلمي .