إلى من غيبه الموت عنا ذات سنة مرعبة اليوم ، خامس يناير ، يكون قد مر على رحيلك عام كامل بدا لنا لفرط التيه الذي تلبسنا بعدك و كأنه زمن مترامي المآسي... ها هنا نحن رفيقي حيث تركتنا... لازلنا أحياء و باقون و للحلم بقية فينا كما تمنيت تماما سيدي ، و كما اجتهدت و صبرت و كما علمتنا...نسموا فوق جراحنا، نحمل عبء الوصايا، وصاياك و وصايا الرجال الرجال الذين زرعوا فينا ما زرعوا فينا... نكابر كي لا يشمت فينا من يتربصون بنا و تعرفهم أكثر منا، نتمسك بالخيط الذي يصلنا بك / بكم كحلم أبدي... صرنا نحارب فرادى صديقي مادام قد استعصى علينا أن نتوحد ، لكن عيوننا شاخصة لا تبارح رفاقنا/رفاقك...لا ننساهم و لا نفرط فيهم رغم أنا نحارب فرادى مادام قد استعصى علينا أن نتوحد...نداري عجزنا عن الإنصات لبعضنا فنختار الطريق الأنسب لحدود قدراتنا، و نقطع الطريق الطويل الطويل فرادى بهمة يشحذها حبنا لك/لكم معلمينا و حبنا للوطن. و كلنا يحب الوطن رفيقي كما يحلو له، و كلنا يعرف الوطن كما يحلو له، و كلنا يحب الوطن كما تعلم أن يحب، و كلنا يحب بقدر قدرته على الحب...فمنا رفيقي من قضى نحبه في الحب و منا من ينتظر، و منا من شرب نخب الوطن و نخب الحب و نام كما ينام الموتى رغم أنه لم يبع الحلم و لم يساوم إنما فقط نام كما ينام الموتى و "استراح "...لكن عيوننا شاخصة لا تبارحه و لا تبارح رفاقنا/رفاقك...لا ننساهم و لا نفرط فيهم رغم أنا نحارب فرادى مادام قد استعصى علينا أن نتوحد...هكذا شئت و هذا ما كان . عندما غادرتنا في ذلك الصباح أيها الجميل ، عرفنا فرادى أن الزمان يخبئ لنا قنبلة...سارعنا لنتكوم في غرفة ضاقت بنا، هي ذاتها الغرفة التي التقينا بك فيها عندما هدك المرض يا صاح بدعوة منك و كأني بك تودعنا، كان الجو باردا جدا أو هذا فقط ما بدا لي ، كان المشهد كئيبا جدا...حالة خوف هستيرية من الزمن الآتي دونك تسكن بعضنا لذلك تجمدوا و أعناقهم إلى السماء حيث أنت تلاحق قامتك، و بعضنا يقاوم الخوف ذاته عبثا بترديد كلماتك و وصاياك بابتسامة مخنوقة و ضحك كالبكاء ، و منا من أمضى اللحظة يبكيك فقط و البكاء رفيقي لغة الأيتام و المحرومين و أنت تعرف هذا أكثر مني/منا ، تعرف أنا صرنا أيتام و محرومين...كانت الغرفة تلك الليلة منظمة و مضاءة تليق بذكراك، لكنها كانت موحشة و ضحكتك أيها "الشاف " غائبة عنا...كان المشهد دونك شبيها بيوم الحشر، تمالكنا حزننا، و بكيناك...غادرنا الغرفة صاغرين ذاك المساء ، و صباح اليوم الموالي تفرق الأحزاب و صاروا شيعا، لكن عيوننا شاخصة لا تبارح رفاقنا/رفاقك تماما كما أوصيتنا...لا ننساهم و لا نفرط فيهم رغم أنا نحارب فرادى مادام قد استعصى علينا أن نتوحد...هكذا شئت و هذا ما كان . رفيقي ، أتذكر/نتذكر دروسك كل يوم ...قومت فهمنا لمواقعنا ، أعدتنا لجوهر المهام في كل مرة زاغ سمعنا و بصرنا و الفؤاد ، علمتنا أن صراعنا مع الجلاد متعدد الواجهات، لأن الجلاد في الأصل أشكال و ألوان، أخطبوط و متعدد الواجهات . علمتنا أن الجلاد ليس دائما هو ذلك الرجل القوي ،المفتول الشارب، ذاك الذي يؤلمك و ينثر الملح على جراحك مبتسما، بل هو السائد في تمثلنا فقط ...أما الجلادون فكثر و متعددون بتعدد مواقعهم ، فالمدرس زميلنا عندما يجابه تلامذته دون تخطيط مسبق لدرسه جلاد ،فكنت تترقبنا في ركن مقهاك ، و لا تبتسم في وجه من يبدوا لك أنه لا يستحق مهمته . الممرض و الطبيب الذي يبيع الحقن و يتاجر بالمرض جلاد ، الأب الذي لا يمنحك فرصة للكلام و يمطرك بالتوبيخ جلاد، شبيه المثقف الذي يتباهى أمامك بكم الكتب التي التهمها فلم تسبب له سوى المغص جلاد، صديقك الذي يحبطك كلما هممت بالانتصار على جبنك جلاد، حبيبتك أو حبيبك الذي يتناسى أياما قاسية أو جميلة عشتماها معا جلاد،صديقك الذي يبتسم لك و يلعنك في غيابك أو يبيعك للأصدقاء الموسميين جلاد، صديقك الذي ينتصر للآخرين و يحمل سكينا في وجهك جلاد، قريبك الذي يتركك لهمك و يضحك من فرط تعاستك جلاد، الذي يحولك في كل مرة لموضوع نكتة و ينسى عورته و "يطنطن رأسك " في الصباح بكلام ممسوخ عن النبل و الثورة ألف جلاد... هؤلاء علمتنا أن لا نهادنهم و أن لا نتواطأ معهم ، فنحن إنما نعليهم فوق جرحنا فنستحيي من مجابهتهم بعيوبهم ليتمادوا و نتمادى نحن في الوهن و الشماتة...و ما كنت في يوم تهادنهم و منك سمعنا النصيحة و التوبيخ و ما رأيناك في يوم تنصب نفسك حاميا لنا و نحن آثمون . رفيقي في ذكرى رحيلك الأول لا أملك إلا أن أقول "اشتقت/نا إليك يا رجل...صرنا دونك أيتام ..نم رفيقي يحرسك حبنا و ما زرعته فينا من كبرياء...نم رفيقي قرير العين فالموت لا يزعج الموتى بل يرعب الأحياء .