يعتبر التعليم من بين الأساسات الكبرى التي ينبني عليها تقدم الأمم والشعوب، فبواسطته تستنير العقول وتتفتق المواهب وتكثر الابتكارات والاختراعات، وبواسطته تتهذب الأخلاق ويستوي السلوك. فمنذ الخليقة والإنسان يتعلم ليتطور، وأول سورة في القرآن الكريم أنزلها الله تعالى على نبيه محمد هي سورة العلق وهي تبتدئ بإقرأ. يبقى من الملاحظ أن التعليم ببلادنا أصبح تعترضه عدة معوقات أساسية سواء على مستوى المناهج التربوية أو على مستوى التدبير المالي، هذا المستوى الأخير الذي نريد التركيز عليه في هذه الأسطر القليلة، ربما يمكن تحسينه وتطعيمه نسبيا إذا ما تم التفكير في فسح المجال أمام بعض الوحدات المدرسية لتدبر نفسها بنفسها تحت إشراف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. فمن خلال إجراء بحث استطلاعي بسيط على ما تتوافر عليه بعض المؤسسات التربوية - وأقتصر هنا على مدينة بني ملال- يلاحظ أن أغلبها تحتوي على مساحات شاسعة من الأراضي داخل أسوارها، وهو أمر معقول ومفهوم يندرج في إطار التخطيط المستقبلي لتوسع هذه المؤسسات بالنظر إلى تزايد الوافدين عليها بتزايد عدد السكان. إلى هنا هذا أمر واضح ولا يثير كثيرا من التساؤلات، لكن الأمر الذي يثير التساؤل وهو لماذا لم تستغل الواجهات الخلفية أو الجانبية لهذه المؤسسات المطلة على الطرق الرئيسية من أجل أن تبنى عليها محلات تجارية تدر أموالا عن طريق الكراء، كما هو عليه الشأن ببعض المساجد التي أصبحت تعفي جزئيا أو كليا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من نفقاتها ؟ فكم من فكرة تبدو للبعض غريبة في بدايتها ولكن بعد التأمل العميق تشق طريقها نحو التطبيق، يكفي العزم واتخاذ المبادرة النموذجية قبل السير نحو التعميم. إن التفكير في أن تصبح المؤسسات التربوية منتجة لبعض المداخيل المالية لا يعني الاستقلال عن مراكز اتخاذ القرار التربوي ولا يتعارض البثة مع مبدأ التبعية المالية للأكاديميات الجهوية، بل على العكس من ذلك تماما، فتوافر هذه المؤسسات على رصيد مالي خاص بها سيعينها لا محالة على الوفاء ببعض المصاريف المستعجلة التي تتطلبها على سبيل المثال تهيئة المساحات الخضراء والساحات الداخلية أو اقتناء بعض اللوازم المدرسية والرياضية أو تغيير المصابيح الكهربائية التي أصيبت بالعطل أو إصلاح بعض المرافق الصحية أو تبليط الجدران خاصة تلك التي تشكل السور الخارجي للمؤسسة. فهذه الأخيرة غالبا ما تشكل مساحات مفضلة لبعض المنحرفين لكتابة كلمات نابية تخل بالحياء أو لتجسيد صورا تقزز نفوس المارة منها، فهي تبقى عرضة لعبث بعض العقول المريضة والطائشة. إن بناء محلات تجارية على واجهات المؤسسات التربوية - التي تسمح بذلك- لا يوفر خدمات سريعة لتلك المؤسسات فقط ويعفي الأكاديمية الجهوية من نفقات كانت تبرمجها سنويا بميزانيتها، ولكن يساهم ذلك أيضا في تحسين المنظر العام لجانب المؤسسة ومحيطها كما يساهم في تنقية الرصيف الذي غالبا ما يوجد بدون تكسية. أضرب مثالا لبعض المؤسسات التربوية بمدينة بني ملال التي يمكنها أن تستفيد من هذا الإجراء، ثانوية أحمد الحنصالي الإعدادية، ثانوية القدس الإعدادية، هذه الأخيرة التي اقتطعت منها مساحات شاسعة مطلة على شارع محمد الخامس لإنشاء مركز اجتماعي متعدد الاختصاصات تابع للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وهو مشروع مهم أعطى أكله في حينه، يحث المسؤولين على قطاع التربية والتعليم على التفكير في معاودة الكرة ولكن هذه المرة لتخفيف العبء المالي على وزارة التربية الوطنية.