الحاجة إلى وضع مسرحي يبهجنا تمنيت أكثر من مرة أن تكون مناسبة اليوم الوطني للمسرح فرصة للاحتفاء الحقيقي بالمشهد المسرحي المغربي، من خلال منجزه ومكتسباته، تنويعاته ورجالاته. لأن المناسبة عيد، والعيد فرح لا نهائي. لكن هذا اليوم هو دائما مندور لإعادة طرح مشاكل المسرح المغربي، وأزماته العويصة، وإخفاقاته وتراجعاته. وهي فعلا مفارقة عجيبة أن تتحول لحظة الفرح الفنية إلى مناسبة للحسرة والتباكي على ما آل إليه مسرحنا من انتكاسات وآلام. لعل بداية الألم هي داء فقدان الشجاعة في الجسم المسرحي المغربي بكل مكوناته، إذ لا جهة من الجهات الوصية عليه تتحمل مسؤوليتها وتمارس نقدا ذاتيا وتعلن تقصيرها في هذا المشهد، بدءا من الفرقة المسرحية باعتبارها أصغر نواة في المشهد المسرحي، وصولا إلى وزارة الثقافة باعتبارها الجهاز الوصي على القطاع المسرحي، مرورا بالهيئات التمثيلية من نقابات وفيدرالية، بالإضافة، طبعا، إلى الإعلام والفعل النقدي الرصين. على مستوى الفرقة، قلما نجد فرقا مسرحية بوصفها بنية ثابتة، فهي في الغالب مجموعات متغيرة يجمعها العمل المسرحي الواحد، في زمن محدود. في حين أن الفرق التي تقوم على عناصر ثابتة في مختلف التخصصات هي القادرة على أن يكون لها مشروع مسرحي، أي أن مشروعها الفني هو سلسلة مسرحيات (وليس مسرحية واحدة) تنتظم وفق تصور فني ورؤية فكرية تجعل من اشتغالها بحثا متطورا ومطّردا، وهذا النوع من الاشتغال هو الذي من شأنه أن يفرز ممارسة مسرحية تقوم على التنوع، وعلى تعدد التصورات والرؤى، إن لم نقل التيارات المسرحية، ويكون تطور التجربة ونضجها نتيجة طبيعية لفعل البحث والحفر في المشروع الفني المُتَبَنّى. في غياب هذا الثبات في بنية الفرقة، يكون الأمر برمته مجرد أسماء فرق عنوانها مديرها أو مخرج أعمالها، بينما إبداعيتها بين صعود ونزول دون ضابط فني يحكم مسارها. والوزارة الوصية؟، قضت بتعاقب وزراء الثقافة وقتا طويلا في صياغة القوانين والتصورات للنهوض بالقطاع المسرحي، ومع ذلك فإن تراجعا لافتا يطبع الممارسة المسرحية موسما بعد موسم، رغم الدعم وآلياته وأمواله. ذلك أن اللجن غير المتجانسة، وعدم وضوح المعايير، والاحتكام إلى منطق الأغلبية (الذي غالبا ما يعني التواطؤ والتآمر) جعل الدعم غير ذي جدوى، وجعل، بالتالي، خشباتنا باردة وموحشة؛ لأن اختيارات التآمر والمحسوبية تضيع الجودة والإبداعية حتى لو كان كل مال قارون دعما مسرحيا. ورغم الاحتجاجات والطعون، تصر الوزارة على تبني ما اختارت، وتجاهل ما أقصت والقضاء على من تآمرت، بل لا تكلف نفسها حتى النظر في هذه الاحتجاجات والطعون. من ناحية أخرى، مازالت الوزارة إلى الآن عاجزة عن تقديم استراتيجية واضحة المعالم للمسرح، قائمة على تصور مضبوط ورؤية بعيدة المدى، وما نشهده هو مجرد اقتراحات تطلع علينا بها الوزارة كل مرة مدّعية إشراك تمثيليات متعددة، والنتيجة هذا التراجع الفظيع على مستوى الجودة والإبداعية. ورغم وجود أكثر من مؤشر على هذا التراجع، من حديث عن لجن الدعم، وصيغ اختيارات المهرجان الوطني، وتدبير تنشيط المركبات الثقافية، فإن الوزارة ماضية في مخططها، وكأن كل الأصوات التي تنتقد أو تقترح بدائل مجرد غربان تنعق ولا قيمة لآرائها وتصوراتها. وأكيد أن ما بين الفرقة والوزارة، مسؤوليات أكبر وأهم..مسؤولية التمثيليات والهيئات المسرحية، من نقابات وفيدرالية، التي يبدو أن إيقاع اشتغالها وآدائها يلزمه الكثير من التطوير والتجديد ليعوض قصور الوزارة من زاوية تدخلها، ولئن كانت النقابة المغربية لمحترفي المسرح قد استطاعت، نسبيا، أن تفرض نفسها الأكثر تمثيلية، وذات الحضور البارز في المشهد على المستوى النقابي، فإن الفيدرالية ينتظرها الكثير لتعلن عن ذاتها بشكل لافت، ويكون لصوتها صدى يصل لكل الجهات ذات الصلة بالممارسة المسرحية، ويلزمها الأكثر لتلعب دورها الذي وجدت من أجله، والذي لا تظهر ملامحه من خلال وضعية وأداء الفيدرالية الحاليين، وشبه غيابها في المشهد المسرحي الراهن يجعلنا نحتاج الكثير من التفاؤل لنؤمن بقدرتها على تحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها.. أما الإعلام والفعل النقدي الرصين، فلا أحد ينكر دورهما في إنعاش المشهد المسرحي من حيث المتابعة والقراءة، صار من النادر أن نصادف دراسة نقدية رصينة أو متابعة محكمة، حتى ما كنا نتأفف منه ذات زمن باعتباره مجرد انطباعات وكتابات سريعة صرنا نفتقده الأن. بالمقابل هناك حركة نقدية تنمو في الغياب من خلال بحوث أكاديمية، غالبا ما تشتغل على غير المسرح المغربي، أو على تجارب ترسخت لدرجة التنميط، أو انها حبيسة رفوف المكتبات الجامعية. وأعود في النهاية للقول، إن من حق المسرح المغربي أن يحتفل بيومه الوطني وهو في كامل سروره وابتهاجه بمنجزه وإسهاماته، من حقه أن يكون في مستوى الصورة التي تشكلت عنه خارج الحدود من خلال تجارب شكلت الاستثناء وكان المفروض أن تكون القاعدة، من حقه أن يجدد حلمه بمشهد أفضل، يليق به وبتاريخه، وبمنجز رجالاته المبدعين لا المتواطئين، وسلام على كل المتفانين..وكل 14 ماي ونحن نحلم بمسرح مغربي يشرفنا..