لما خاطب الله عز وجل نبييه موسى وهارون في سورة طه قائلا :(اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) الآيتان 4243 , كان رحيما بهما عز وجل لانهما لايملكان من القوة إلا مبادئ الدين الجديد التي أوحاها إلى نبيه الجديد (موسى) عليه السلام في ظل ما يملكه فرعون من وسائل القوة والجبروت التي جعلته يدعي الألوهية . دعا الله عز وجل نبييه إلى تليين القول للفرعون لعل قلبه يلين فيعفو عن شعب إسرائيل المضطهد فيتركه ليسيح في الأرض ويقرر مصيره بنفسه .لأن إغلاظ القول للجبار معناه إبادة شعب بأكمله مع نبييه . بعد خلع حسني مبارك , ادعت العديد من المنابر الإعلامية أن آخر الفراعنة قد سقط , والحقيقة أن هذه المنابر أخطأت التقدير , كما أخطأناه جميعا فسقوط رأس النظام ليس معناه سقوط النظام بأكمله , فخلاياه نامت للحظات لتستيقظ على جر البساط من تحت حكم الاخوان المسلمين مسخرة لذلك العساكر ومختلف الأجهزة الأمنية التي يتزعمها الفرعون الجديد "عبد الفتاح السيسي " . إن ما وقع ليلة الثلاثين من يونيو السوداء أعادت إلى أذهاننا كل أشكال القمع الوحشي التي كانت جحافل الأمن المصري تنفذها في حق الشعب المصري على عهد مبارك , إذ عمدت قوات القمع وعلى رأسها العساكر إلى اعتقال الصحافيين وتحطيم آلياتهم , وقطع البث من ميدان رابعة العدوية , حيث يتجمع أنصار الرئيس المصري المخلوع , شخصيا , شعرت بالمفاجأة والإحباط . وأيقنت بالملموس أن :"حليمة رجعت إلى عاداتها القديمة ".وأننا أخطأنا التقدير عندما اعتقدنا أن مصر تسير السير الصحيح نحو الديممقراطية الحقة , لم نأخذ في الحسبان أن أعداء الديمقراطية العملاء للتدخل الاجنبي يتحينون الفرصة للعودة الى العهد القديم الذي يوفر لهم الحصانة والتعتيم الاعلامي للاغتناء غير المشروع ولو على حساب أمن ومصلحة وطن وشعب بأكمله . إن حملة الردة على الديمقراطية المصرية أعادت إلى أذهاننا مسلسل الإنقلابات على الديمقراطيات العربية التراجيدي , بدءا بتجربة جبهة الانقاذ الجزائرية , مرورا بالتجربة الموريطانية التي انقلب عليها كذلك العسكر بزعامة الرئيس الحالي محمد عبدالعزيز . ثم التجربة الفلسطينية التي أفضت إلى انقسام الشعب الفلسطيني . يرى العديد من المراقبين أن حكم الإخوان المسلمين لم يكن في مستوى تطلعات الشعب المصري . الأمر الذي ساعد مناويئيهم على تأليب الشعب المصري ضدهم , لكن بالرجوع إلى الفترة الزمنية التي استغرقها حكمهم والتي امتدت سنة واحدة يتبين أنها فترة ليست كافية لتقييم آدائهم السياسي ,الاقتصادي , والاجتماعي . وعلى الرغم من ذلك فحكم الرئيس مرسي على قصر مدته حمل في مجمله صبغة التجربة الديمقراطية حيث ضمن للمتظاهرين حق التظاهر الآمن , دون التعرض لهم في مختلف الميادين المصرية , ناهيك عن حرية التعبير التي وفرت لكل المنابر الإعلامية بمصر , بالرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تجتاح العالم بأسره . والأكثر من ذلك أنه لحد اليوم يعجز الإنقلابيون عن تقديمه للمحاكمة , فالرجل لم يآخذ عنه شعب اختلاسات مالية أو أي شكل من أشكال الاغتناء غير الشرعي طيلة فترة حكمه . لا كما عات مبارك وأبناؤه فسادا في الأرض . هذه المكتسبات سرعان ما أجهز عليها الانقلابيون , إذ أصبحنا نرى يوميا العديد من المتظاهرين يتساقطون جرحى أو قتلى بمختلف الميادين المصرية . بل أكثر من ذلك خرج الفريق عبدالفتاح السيسي يخاطب الشعب المصري يوم الأربعاء 24 يوليوز, يطلب منه طبعا النزول إلى الميادين المصرية للتظاهر تأييدا لما سمته السلطات الجديدة :"خارطة الطريق " . داعيا الشعب المصري إلى منحه التفويض لمحاربة ما سماه الإرهاب , كأن ما ارتكبه الجيش المصري من مجازر منذ 30 يونيو إلى اليوم والذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص , كان مجرد اجتهاد من السيسي وعصابته , أما الأكثر والأعظم فهو القادم الذي يستفتي فيه الشعب . خرجة السيسي صباح يومه الأربعاء خلفت ردود فعل متعددة داخلية وخارجية , لعل أهمها طبعا رد المعسكر الآخر الائتلاف الوطني المصري لدعم الشرعية الذي أجمع قادته على أن خطاب السيسي يعبر عن التصدع والارتباك داخل المؤسسة العسكرية , بعد الأحداث الأخيرة . لأنه كان حري بالرجل أن لاينزل إلى مستوى دعوة المتظاهرين بنفسه . فلوكان العساكر لايزالون يتمتعون بكامل الثقة في النفس لفوضوا أمر الدعوة إلى قادة حركة تمرد من الشباب . الحقيقة أن قراءة قادة الاخوان لها مايبررها من الوقائع داخل الشارع المصري في الأيام الأخيرة , ففي الوقت الذي أمسى عدد المتظاهرين يزداد يوما بعد يوم بميدان رابعة العدوية وكل الميادين التابعة للاخوان , لاحظنا تناقصا مستمرا لجماهير المعسكرالآخر بميدان التحرير . ومرد ذلك لكون الاخوان اعتادوا الصمود في مثل هذه الأحداث , ليتمكنوا بالتالي من حشد جماهير غفيرة أمست تقض مضجع العساكر الذين لا يتوانون في تسخير كل وسائل التقتيل دون جدوى , بالمقابل لا يستطيع المتمركزون بميدان التحرير من مرتادي مقاهي النرجيلة (الشيشة) ومدمني المخدرات الصمود في وجه حرارة الشمس فيفضلون بالتالي التظاهر مساء , بمساندة قوات السلطة , لذلك كانت خرجة السيسي الاعلامية ضرورية لإنقاذ مايمكن إنقاذه في ظل تزايد شعبية الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الذي أصبح رمزا للرئيس المنتخب ديمقراطيا , الذي وقف بشجاعة في وجه الفساد والطغيان , وقد بدا ذلك جليا عبر مواقع التواصل الاجتماعي . وأمست صوره تغطي كل تراب مصر .فكل الشعوب العربية تقف إلى جانب قضية الاخوان العادلة . رحبت العديد من الدول العربية بالانقلاب في مصر , خاصة الدول ذات الانظمة التنوقراطية , عملا بمبدإ إذا عمت هانت , إذا عم الاستبداد ومظاهره , صار عاديا في نظر المواطن العربي , فالشا ذ في نظر هؤلاء هو الديمقراطية , لذلك سارعوا إلى دعم الانقلابيين ماديا ومعنويا , لكن يجب أن يعلم هؤلاء أن مصر أصبحت اليوم على حافة بركان . فالإخوان لن ينزلوا أيديهم لأنهم أصحاب قضية عادلة , والعساكر يسيطرون على كل وسائل الدولة القمعية , فإذا اندلعت حرب أهلية بمصر قد تؤدي إلى إضعافها وكسرشوكتها , كما وقع للعراق وسوريا , ومن المستفيد من ذلك ؟ طبعا إسرائيل , فنتانياهو صرح أخيرا أن السيسي يعد بطلا قوميا , ثم إيران من جهة أخرى , فهاتان الدولتان لا تزدادان إلا قوة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالعديد من الدول العربية . إن مصر تعد بمثابة مركز ثقل الوطن العربي وكل مايقع فيها لابد أن يمتد تأثيره إلى كل الدول العربية بشكل أو بآخر , لذلك كلنا أمل في أن تعود إليها الديمقراطية الحقة , لتشمل كافة الدول العربية لأن الانقلابات لم تفرز إلا أنظمة بعثية ديكتاتورية أذلت شعوبها أبشع إذلال , وضيعت على بلدانها فرصا تنموية مهمة , وفسحت المجال للتدخل الاجنبي ليزيد وضعها تأزما وانقساما . لذلك فعلى الدول العربية خاصة الخليجية منها أن تنزل بكل ثقلها المادي والسياسي لعودة الشرعية إلى مصر واحترام إرادة الناخب المصري الحرة . عبد الرحمان المكاوي : سوق السبت 24/07/2013 . ا