كل المغاربة اليوم يبحثون عن رغيف بسيط وكاس شاي ساخن يسري في الامعاء , ليس رغبة فى ابقاء الفقر والهشاشة , ولكن حبا في التمتع بعيش كريم . ان الملاحظ في الوقفات المتتالية امام جل ابواب الوزارات بالعاصمة الادارية الرباط , تلك اللافتات المكتوب عليها شعارات مختلفة : كلها تصب في فكرة هامة : نريد الكرامة , لا للفساد , نعم لتطبيق القانون , نعم لتنزيل الدستور .... ولم نسمع قط مسؤولا يعترف بخطئه امام الملا , او في احدى القبتين الخاصتين لنواب الشعب , طالبا العفو ومقدما استقالته , نظرا لكونه لم يف بما وعد به من قبل , اثناء حملته الانتخابية ... الشعب المغربي يمهل ولا يهمل , يعرف جيدا من يخونه ,يراقب الخونة : لصوص خزينة المال العام , الديماغوجيين , اكلة السحت , الاغنياء بالطرق المحرمة , المتلهفين وراء الدرهم والعملة الاجنبية ,والمستغلين للفتيات الفقيرات الساكنات في دروب الفقر والقهر والإملاق ... منذ الاستقلال وثروات شعبنا تستنزف ,وبشكل فضيع , اموال طائلة وخيالية ضاعت بين عشية وضحاها , في فنادق من طراز نجوم خماسية فما فوق , في ليالي حمراء مع راقصات عاريات يتقن فن لوك المؤخرات , ونبيذ سام يفقد الوعي والرشد , يصبب على ثنايا نهود الصغيرات الكواعب , في اختلاط فاحش مع الاجناس المعادية – اليهود والصهاينة – للإسلام والوطن والهوية المغربية ... بينما ابناء وبنات العالم القروي عامة والجبلي خاصة , يمشون عراة حفاة الى حجرات ومدارس آلية للسقوط , بدون نوافذ ولا ابواب ولا مرافق صحية , وقد يقضي الصغار يومهم الدراسي بدون راحة بيولوجية , وخاصة الصغيرات المحتشمات , عكس الراقصات المعربدات... اما المستشفيات ,والمحاكم ... فحدث ولا حرج . فكيف يقبل المواطنون اليوم فكرة (عفا الله عما سلف ), وقد افرغت صناديق المتقاعدين , وأتلفت ملفات الجائرين والمجرمين والمهربين للمال العام , وجيوش جرارة من المعطلين والحاملين للشواهد العليا يتسكعون في الازقة والشوارع الرئيسية باحثين عن نسمة من نسمات العيش الكريم ... آن الاوان , ان نحارب جميعا , المفسدين اينما كانوا , وأينما انتقلوا , ولنترك جانبا الانتهازية الفردية, لأننا نعتقد في قرارة نفوسنا , اننا غير معنيين بالدعوة الى الاصلاح , لكن الواقع يفند ذلك ,فان لم تنه عن المنكر وتأمر بالمعروف , فانك لا محالة - قريبا او بعيدا -ستقع انت ايضا بين مخالب المفسدين في الارض , لذا لك يوم وعليك ايام وشهور وسنين... ان اكتساب العيش الكريم , ليس بالأمر السهل والهين , بل يحتاج الى مبادئ الوطنية الحقة , مبادئ التضحية والإيثار , والشخصية الثابتة في المواقف الحرجة التي تصطدم فيها الانتهازية بصلابة الوعي الكامل للشخصية ألمتزنة المفعمة بمبادئ التضحية والإيثار , ومكافحة الذل والهوان وشتى انماط الإهانة المتفسخة , . ان عدم القدرة على محاربة الفساد , ولا على الاقل التنديد به , لا يعني بتاتا تركه ينخر جسد الكيان الوطني بصفة عامة , وغض الطرف عن المفسدين الضالين , ينهبون المال العام , ويصبحون اثرياء في وقت قصير ووجيز , ويبقى كثير من الضعفاء والمحتاجين الابرياء يعانون ويلات شظف العيش المرير القاسي . ان مفهوم الوطنية حين فترة الاستعمار , وبداية الاستقلال عند سلفنا الصالح - يا من يقول عفا الله عما سلف - هو الجهاد في سبيل الوطن , والذود في حوزته , اين الشهداء الابرار والمجاهدين الاشاوس , امثال : احماد احنصال , والزرقتوني , وعلال بن عبد الله واللائحة طويلة ... لما تغير فينا هذا المفهوم ؟ , و اصبح كثير منا يستهزئ من الوطنية عند النطق بها , هل هي عملة متجاوزة تعود الى نمط عملة اهل الكهف ؟ , وهل بإمكاننا ان نحيا اليوم بدون وطنية كباقي الامم والدول ؟ . فمن يقوم اليوم بتحية العلم الوطني ؟ , الصغار في المدارس الابتدائية و الاعداديات وبعض الثانويات التاهيلية ,وبعض الجنود في ثكناتهم العسكرية , وفي بعض المناسبات الوطنية , وفي اللقاءات الرياضية في بعض الملاعب المعشوشبة اثناء النقل التليفزيوني : أهؤلاء هم فقط المواطنون المغاربة !!! . لاحظ معي كثيرا من الاعلام الوطنية المرفوعة فوق كثير من المرافق العمومية , قد استحال لونها الاحمر والأخضر الى الوان اخرى حتى بدت وكأنها ليست لهذا الوطن . كيف يردد التلاميذ الصغار النشيد الوطني صباح مساء , من اجل ترسيخ مبادئ التربية الوطنية , والتربية على المواطنة و حقوق الانسان والديمقراطية !!! , وكثير من الكبار في هرم دواليب وطننا لا يعرفون هذا النشيد الوطني السامي , وهم مفسدون في حوزتهم المال العام , لا يؤدون الضرائب , و لا يخرجون الزكاة , ومنهم من يسرق في كل لحظة , ولا يصلي ولا يصوم , يقوم بشتى انواع المحرمات ... فأيهم يستحق الاعتناء به : هذا الطفل الصغير الذي يردد صباح مساء : منبث الاحرار ...؟ ام هذا المفسد الذي يخون وطنه ونعفو عنه بقولنا (عفا الله عما سلف) ؟؟؟. محمد همشة. اكادير في : 03/12/2012 .